بوكو حرام وأثرها في تحول الخطاب السلفي في نيجيريا.
طاهر لون معاذ
أستاذ مساعد بقسم اللغة
العربية، كلية الآداب والدراسات الإسلامية، جامعة بايرو، كنو، نيجيريا.
تعد جمهورية نيجيريا الفدرالية من أكبر دول العالم
الإسلامي، فأكثر من نصف النيجيريين الزائد عددهم على مائة وأربع وثمانون مليون
نسمة من المسلمين حسب تقرير لوكالة الاستخبارات المركزية (CIA)[1]،
أي أنها تضم ما يربو على تسعين مليون مسلم، وبهذا تحتل نيجيريا المرتبة الخامسة في
ترتيب الدول العالمية من حيث عدد المسلمين؛ خلف إندنوسيا والهند وباكستان
وبنغلادش. كل هذا جعل نيجيريا وجهة هامة للتيارات الإسلامية المختلفة. وقد تغلغل
الفكر السلفي كإحدى التيارات الاسلامية التي وفدت إلى نيجيريا في السبعينات عن
طريق التمويل السعودي؛ لمواجهة الإسلام المعتدل المتمثل في المذهب المالكي
والتصوف؛ وبالأخص طريقتي التجانية والقادرية المنتشرة في نيجيريا منذ مئات السنين.
تسعى الورقة
إلى تتبع نشأة الحركة السلفية في نيجيريا وتحولات خطاباتها الدينية والسياسية أمام
المؤثرات والحوادث الداخلية والخارجية. فظهور حركة "بوكو حرام" وما
يصاحب ذلك من الحرب على الإرهاب وأثر ذلك على الدعوة السلفية وتوجهاتها السياسية.
وبالتالي تكون فرضية البحث كالتي: ما مدى تأثر الدعوة السلفية النيجيرية بأحداث
حركة بوكو حرام على الصعيد المحلي والثورات العربية على النطاق الدولي؟ وهل قلصت
تلكم الحوادث من حدة الخطاب الديني وأنشطة السلفية الدعوية في نيجيريا؟ ما مستقبل
السلفية النيجيرية في ظل استمرار الإصلاحات السعودية على الصعيد الديني
والاجتماعي؟ وللوصول إلى الإجابة عن هذه الأسئلة سيتتبع البحث الخطابات الدينية في
أوساط السلفية النيجيرية منذ تشأتها إلى الوقت الراهن للوقوف على التحولات الطارئة
عليها وأسباب ذلك.
الإسلام في نيجيريا:
من الصعب تحديد موعد دخول الإسلام إلى منطقة غرب
إفريقيا عموما ونيجيريا خصوصا، هذا لعدم توافر المراجع التي كتبت حول الموضوع قبل
القرن العاشر الميلادي.[2] لكن
على التقريب اعتنقت قبائل الهوسا المنتشرة في شمال
نيجيريا الإسلام تدريجيا على يد التجار والدعاة الصوفية المنحدرين من شمال إفريقيا،
فكانت هناك علاقات تجارية قديمة بين الشمال والجنوب عبر الصحراء. وصار الإسلام
دينا رسميا في القرن الثالث عشر الميلادي في العديد من إمارات الهَوْسَا[3].
وعلى هذا كان الإسلام في المنطقة المعروفة بنيجيريا اليوم سنيا أشعريا صوفيا. وكانت
جميع الحركات الإصلاحية التي قامت في غرب إفريقيا في القرن التاسع عشر كانت منوطة
بلواء التصوف، فالشيخ عثمان بن فودي (1754–1817) قام بحركته الإصلاحية ضد أمراء منطقة الهوسا عام 1804م لإخماد ما يراه من البدع والانحرافات، وجميع قادة هذا الجهاد
متمسكون بالطريقة القادرية. ويذكر الشيخ بالتفصيل كيف أذن له الرسول صلى الله عليه
وسلم بانطلاق حركته الإصلاحية في مشهد كبير يضم الخلفاء الأربعة وأولياء الله.[4]
كما نرى الكثير من التوسلات بالشيخ عبد القادر الجيلاني في قصائد زعماء الجهاد
وقواده قالوها أثناء الجهاد بغية تسهيل فتح الحصون.
وفي الشمال الشرقي حيث مملكة كانم
برنو كان الإسلام أقدم وصولا من أية منطقة في نيجيريا، ويقطنه قبائل كانم والعرب (الشُّوَا)،
وكان لكانم برنو علاقة وطيدة بالدول الإسلامية مثل المرابطيين والموحدين، كما بلغت
علاقتهم مع الأزهر الشريف حد تسمية أحد الرواق في الأزهر باسم مملكة كانم برنو.[5]
وهذه العلاقات كلها مبنية على أساس العلم بتأثير العلماء الصوفية في كلا الجانبين.
كل هذا يدل على مدى سريان التصوف في المنطقة.
الخطاب السلفي في نيجيريا بعيد الاستقلال
1960:
لم تزل نيجيريا بطابعها الصوفي إلى أن بدأ الاتصال
الدبلوماسي بين نيجيريا ومملكة العربية السعودية بعيد استقلال نيجيريا من بريطانيا
عام 1960م في الوقت الذي
بدأ المد السعودي في مختلف أرجاء العالم الإسلامي، وقد وجد هذا المد شركاء من
أبناء نيجيريا الذين قاموا بنسج شبكات تواصلية مع المملكة وتأسيس الحركات الدينية لنشر الدعوة السلفية،[6]
وقد مهد لهؤلاء الطريق العلاقة الوطيدة التي تربط المملكة مع رئيس وزراء منطقة
الشمال أحمد بللو، فقد استغل قاضي قضاة شمال نيجيريا آنذاك الشيخ أبوبكر جومي (1924- 1992) قربه من أحمد
بللو ونفوذه السياسي لمواصلة معارضته لعلماء الدين في نيجيريا والذين كان التصوف
والمذهب المالكي المرجعين الأساسين لهم. وكان منهجه تأليف الكتب وبث دروسه عبر
المذياع في شمال نيجيريا.[7]
وقد لاقى الشيخ جومي مقاومة شرشة من العلماء عن
طريق الردود في مجالس الوعظ والتأليف.[8]وبلغت
المواجهة أشدها بعد تأسيس "جماعة إزالة البدعة وإقامة السنة" وهي أول
منظمة سلفية أسسها أحد تلامذة جومي الشيخ إسماعيل إدريس في مدينة جوس عام 1978م في محاولة
تعزيز نقدات الشيخ جومي للعلماء (الصوفية الأشعرية)[9].
وكان لتأسيس هذه الحركة تحول كبير في الخطاب
السلفي، بحيث زادت حدة أراء سلفية نيجيريا، فشاع تكفير الصوفية وتحريم ذبائحهم أو
نكاح بناتهم. وسئل جومي ذات مرة في مجلس تفسير القرآن عن حكم الزواج من بنات أصحاب
الطرق الصوفية فأجاب على الفور "إن المسيحي أفضل من أصحاب الطرق الصوفية...فميكنك
الزواج من المسيحية خلافا للصوفية".[10]
ووصل الأمر إلى تمييز المساجد بحيث امتنع السلفيون من الصلاة خلف التجانيين
والقادريين الذين يشكلون الأغلبية الساحقة، فأسسوا مساجد خاصة بهم باعتبار أن
الصوفية كفار. ووصل الأمر بأعضاء الإزالة إلى البراءة من آباءهم وأمهاتهم.
هذا التشدد جعل الحركة السلفية تحت "جماعة
الإزالة" محل انتقاد العامة التي استهجنت اسم "الإزالة" حتى صار علما على
الشذوذ والإتيان بما ينافي الطبع السليم.[11]
وزاد الطين بلة انشقاق الجماعة إلى شقين معاديين لبعضهما، الأولى في مسقط رأس
المؤسس إسماعيل إدريس والثانية في كدونا، ولا تزال الجماعة هكذا إلى الآن، على
الرغم من تفوق شق كدونا لموالاة الشباب العائدين من السعودية له؛ والذين تحسنت الدعوة
السلفية على يدهم وأكثرهم من جريجي الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
وتمتاز فترة سلفية جماعة الإزالة بكثرة تنظيم مجالس
الوعظ في القرى والبوادي، كما اتسمت بصدور عدد لا بأس به من كتب زعيم السلفية
النيجيرية الشيخ أبوبكر جمي، مثل تفسيره رد الأذهان إلى معان القرآن[12]،
والعقيدة الصحيحة بموافقة الشريعة، وحل النزاع
في حل مسألة نزول عيسى عليه الصلاة السلام، وكتاب مناسك الحج والعمرة،
وترجمة معاني القرآن إلى لغة الهوسا وغيرها. وقد تلاشت حركة التأليف بين أوساط
السلفية في السنوات التالية واعتمدوا كل الاعتماد على بث الوعظ والدروس الدينية
عبر الإذاعات المحلية. ومن سماتهم الشكلية التي جاءو بها لتمييز أنفسهم عن غيرهم؛
لبس السراويل القصيرة، وتطويل اللحى وحلق الرأس.
تحول الخطاب السلفي على يد خريجي جامعة الإسلامية
1980-2002:
افتتحت الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام
1961 بأمر ملكي رقم 11 بتاريخ25 ربيع الأول1381ه[13]
وعلى الفور بدأت السعودية بإعطاء المنحة للشباب من نيجيريا عام 1962 عن طريق
الحكومة النيجيرية فأعطيت المنحة ل18 طالب، وفشلت المنحة بعد سأم هؤلاء الطلاب من
طريقة التدريس، وطالبوا الحكومة النيجيرية بسحبهم، لكن تدخل أبوبكر جومي وأصر على
أن الطلاب لا بد من أن يتقبلوا طريقة السعوديين مهما كلف الأمر، وذلك بعد زيارة له
إلى الجامعة عام 1964م[14]
مما يؤكد دوره في بناء سرح السلفية في نيجيريا.
وقد توالت المنح السعودية على النيجيريين في
السنوات التالية، وبالفعل حققت المنح مبتغاها، فتخرج من الجامعة الإسلامية شباب
أطلقوا على أنفسهم لقب "أهل السنة" والذين قاموا بنشر الفكر السلفي
بصورة أكثر فاعلية عن طريق تحويل الدعوة من منهج جماعة الإزالة. وأشهر هؤلاء
الطبقة الشخ جعفر محمود آدم الذي اغتيل عام 2007م. وتمتاز هذه الفئة بالديناميكية
في الشؤون السياسية والاجتماعية والفكرية، كما نجحوا في نسج شبكة علاقات سلفية
عالمية واسعة مما ساعد في ظهور حركات متشددة كما سيأتي، فنجحوا في ربط علاقات مع
حركات سلفية مناهضة للحكام في السعودية، مثل علاقتهم بالمنتدى الإسلامي في لندن، الذي
صار كالراعي الرسمي لجميع أنشطتهم الدوية منذ أواخر 1900؛ فبنوا الكثير من المدارس
والمساجد في نيجيريا بتمويل من المنتدى[15]على
الرغم من سوء العلاقة بين مؤسس المنتدى الشيخ محمد سرور بالمملكة والذي طرد عام
1974 لانتقاداته للحكومات في السعودية.[16]
وفي الوقت نفسه حافظوا على علاقتهم مع الرياض، بحيث دافعوا عن سياستها في مجالسهم
لإلقاء الوعظ والتفسير، وحاولوا تصوير المملكة العربية السعودية وحكامها للعامة كممثلين
للإسلام السني الحقيقي، فنجحوا في إرساء قدسية المملكة في قلوب العامة حتى صار
منتقده سياستها منتقدا للإسلام والسنة مباشرة.
وعلى
الصعيد المحلي حاولت هذه النخبة من خريجي الجامعة الإسلامية تجنب الصراع بين فئتي
جماعة الإزالة -وإن كان للكل ميل إلى طرفي الصراع- فبنوا علاقات وطيدة مع كل شق. ومن
إصلاحاتهم على حركة السليفية رفضهم إطلاق لقب"Yan Izala"
عليهم، وأصروا على تسميتهم بأهل السنة. ويبدو للباحث أن هذه التسمية جاءت تجنبا
للسمعة السيئة للفظ "إزالة" عند العامة ومحاولة تجديد المسار السلفي في
نيجيريا ليتماشى مع بعض التقاليد المحلية للشعب الهوسوي، فترك الكثير التشدد في
أمر اللحى ولبس السراويل القصيرة؛ وحاولوا
تحسين العلاقة الاجتماعية مع أقاربهم الصوفية. بل يلاحظ تغييرات ضخمة في نظرهم للصوفية
بشكل عام، فقد تحول الخطاب السلفي من محور الكفر الصوفية إلى البدعة، فاشتهر عندهم
مفهوم "أهل السنة" "وأهل البدعة" (Yan Bidi’ah)
الذي يعنون به الصوفية. وكان لانشقاق جماعة الإزالة أثر في تحول الخطاب السلفي في
هذا الصدد، فكلا الشقين يحرمان الصلاة خلف الصوفية وأكل ذبائحهم، في حين خفف شباب
السلفية أمثال جعفر وثاني ريجير ليمو وغيرهما في هذه المسائل بشروط معينة[17].
كل هذه الديناميكة في في بناء العلاقات الخارجية والداخلية وتحسين صورة السلفية
-التي طالما اشتهرت بن العامة بقلة الأدب وشق الأمة- روجت حركة السلفية تحت مسمى
"أهل السنة" ونجحت في استقطاب الكثير من الأتباع.
ويرى
الباحث من خلال تجاربه الشخصية بأن لظهور الشيعة ككيان إسلامي جديد في نيجيريا
أواسط التسعينات أثرا لهذا التحول؛ فقد رأت السلفية أن مواجهة الشيعة أولى من
الصوفية التي تجمعهم عقيدة "أهل السنة"، ثم ألقى الصراع السياسي السعودي
الإيراني بظلاله على الخطاب الديني عند السلفية خاصة، حيث كانت علاقتهم بالمملكة
العربية السعودية حافزا قويا في الرد على الشيعة وتكفيرهم، بل رفضوا عد المذهب
الشيعي ضمن المذاهب الإسلامية فكانوا دائما يرمزون إليهم ب: "دين
الشيعة" بدل المذهب الشيعي. ولم يقف الأمر على هذا بل أدى إلى العنف في بعض
المناطق الشمالية وهذا بالطبع خفف من حدة الصراع بينهم وبين الصوفية من جهة.
ومن أهم ما لاحظه الباحث حول هذه الطائفة من
السلفية المعاصرين أنهم دعاة واعظون أكثر من كونهم علماء مؤلفين، فجل من بحث في
آراءهم وتوجهاتهم الفكرية والسياسية يعتمد على أشرطة مسجلة -مسموعة ومرئية-
لمحاضراتهم ودروسهم الدينية لمعرفة توجهاتهم الفكرية والسياسية. فقلما تجد منهم من
ألّف كتابا إلا لظروف معينة كرسائل وبحوث جامعية يحولها بعضها إلى كتاب مطبوع، أو
وريقات للرد على خصومهم.
السلفية النجيرية والسياسة.
لم تشهد نيجيريا
قط إنشاء جمعية سياسية ذات طابع ديني للمحافظة على علمانية الدولة، فالدستور
النيجيري ينص في المادة العاشرة بأنه "لا يجوز للحكومة الفدرالية أو حكومة
الولايات تبني أي دين كدين رسمي"[18]
فلهذا ظلت الحركات الدينية كلاعب وراء الملعب. فالسياسيون يلجؤون إلى زعماء الدين
بكل الوسائل لجذب انتباه أتباعهم إلى التصويت لصالحهم، وفي المقابل يقوم السياسيون
بتعيينهم مناصب سياسية.
فالسلفية كغيرها من الحركات الدينية تراوغ في
السياسية بين الحفاظ على المصالح الدينيية والشخصية، فكانت لهم صلات قوية مع
السياسين في جميع أنحاء نيجيريا وفي جميع المستويات، وبعضهم يمول أنشطة دعوية لبعض
السلفيين وبالأخص في القنوات الإذاعية. كما أن كبار السلفيين يقلدون مناصب حكومية
وخاصة في الهيئات الشرعية والحسبة والزكاة. جعفر آدم قلد منصبا مرموقا في هيئة
الشريعة الإسلامية في 2003م لكنه ترك المنصب معللا بعدم تطبيق الشريعة
الإسلامية كما ينبغي.[19]
ولا تزال طائفة من علماء السلفية يقلدون مناصب مماثلة إلى يومنا هذا. ولا غرابة في
ذلك لقول المؤسس الروحي للسلفية في نيجيريا أبوبكر جومي في إحدى مجالسه "إن
المشاركة في السياسة والإنتخابات أفضل من الصلاة".[20]
السلفية النيجيرية والإرهاب العالمي:
أطلق الكثير من العلماء في نيجيريا ألسنتهم ضد
إدارة بوش وحربها على ما سمته بالإرهاب في العالم إثر هجمات 11 من سبتمر، وعلى رأس هؤلاء
المنتقدين علماء سلفيون الذين قاموا بالإقرار علنا بأنهم أنصار تنظيم القاعدة؛ ومن
هؤلاء سلفي بارز؛ الشيخ أبوبكر غيرو أَرْغُنْغُ؛ قال في أحد مجالس الوعظ "يأمر
الله المؤمنين بالصبر، فأنتم الآن لا تسمعون خبر مُلاَّ عمر ولا أسامة بن لادن،
لماذا؟ لأنهم يستعدون للكر مجددا، ونحن هنا مستعدون بأن يراسلونا للتسجيل في
التنظيم، فننذهب إلى هناك (أفغانستان) ولو مشيا بالأقدام(وهنا يستغرق الأتباع في
التكبير) فأنت تسأل أو تبحث عن من تسمونهم بالإرهابيين أو أعضاء تنظيم القاعدة! أو
تشك بوجودهم بالفعل في نيجيريا! فأين تبحث؟ ها نحن! هل تشك؟ إذا كنت تطلب أعضاء
القاعدة ولم تعرف أين هم فها نحن! أعضاء تنظيم أسامة بن لادن وحركة ملا عمر، فإذا
تقرر لك ذلك فاقض ما أنت قاض"[21]ويبدو
من سياق هذا الشريط سُجل أثناء اختفاء أسامة بن لادن وملا عمر في تُورا بُورا.
ومن لهجة التطرف والعنف التي تنذر بالقيام بالجهاد
خطبة الشيخ جعفر آدم أثناء الفتن القبلية والدينية بين قبائل يوربا والهوسا في
جنوب شرق نيجيريا 1999-2001م ففي خطبة جمعة ألقاها سميت بـ"الجهاد
الأكبر" هدد بل أوصى بقتل أفراد من المسؤولين يتهمهم بالوقوف وراء المجزرة ضد
الهوساويين المسلمين في ولاية لاغوس.[22]
هذا هو النموذج الحي لخطاب السلفية النجيرية أثناء
حرب أمريكا على أفغانستان. لكن يأتي هذا الخطاب كما يعتقد الباحث وسط إعراض الحكومة
النيجيرية وخوفها من اندلاع أي شغب ديني. ولم تحرك الحكومة للتصدي لهذا إلا بعد
فوات الأوان على الرغم من دعوات للتصدي لمثل هذه الخطابات. وهذا بالطبع مهد لتدفق
المزيد من التطرف مما ولّد حركة مثل بوكو حرام فيما بعد. وقد ظهرت الآثار السلبية لهذه الخطابات عام 2001 عندما ضبطت الاستخبارات النيجيرية على محمد نظيف
إِنُوَ وهو عالم سلفي وأستاذ معوية بابَيُو بتهمة تجنيد الشباب وإرسالهم إلى معسكر
في موريتانيا.[23]
ولم يطلق سراحهم إلا في السابع من يوليو 2004. وفي 2002م قدم ممثلون من طريقتي
التجانية والقادرية رسالة شكوى إلى حاكم ولاية كَنُو ضد السلفيةوعلاقتها بالمنتدى
الإسلامي، محذرين الحكومة من تداعيات العلاقات الخارجية للسلفية فتح معسكر باسم
"المنتدى" لتدريب الشباب وتعليمهم. إلا أن العداوة المعروفة بين الصوفية
والسلفية منعت الحكومة من أخذ الشكوى بعين الاعتبار. لكن ثبت ما قاله الوفد الصوفي
في فبراير عام 2004 عندما تم
القبض على محي الدين عبد الله السوداني مدير مكتب المنتدى الإسلامي فرع
برنو-ميدغري إثر شغب مجموعة "طالبان في نيجيريا" بتهمة تدبير تمويل خارجي لها.[24]
وبدأت مجموعات سلفية مجهولة الهوية بحمل السلاح والهجوم على مناطق مختلفة مثل
ولاية كنو، ويوبي، وبرنو، وتم التأكد على أنهم من الذين قاموا بعزل أنفسهم عن
الناس مدعين أن ذلك يبعدهم عن نظام حياة الكفر والفساد.[25]
ويرجح الدكتور أندريا أن هذا العزل ليس سوى تمويها لمسكرات سلفية للتدريب. كل هذا
ينذر بولادة سلفية متطرفة في نيجيريا، حيث قامت حركة بوكو حرام على أعقاب هذه
المجموعات.
تحول الخطاب السلفي إثر انبثاق حركة بوكو
حرام من السلفية:
ظهرت حركة بوكو حرام تدريجيا في ولايتي برنو ويوبي
باسم "جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد" بعد حادثة 11 من سبتمبر[26]،
لكن الشعب المحلي أطلق عليهم لفظ "بوكو حرام" استنادا إلى فكرتهم في
تحريم الدراسة على النمط الغربي.
ويجدر هنا أن نشير إلى مدلول بوكو حرام وما وراءه
من جذور ثقافية وفكرية؛ فلفظ بوكو(Boko)
لغويا يعني الزائف،[27]
وسميت الدراسة الغربية بها عندما جاء المستعمر البريطاني ووجد شعب الهوسا يكتب
لغته بالكتابة العربية التي تبدأ من اليمين، فلما أدخل نظام الكتابة الاتينيية رآها
الهوسوي تُبْتدأ من الشمال إلى اليمين قال (wannan Rubutun Boko ne)
أي هذه كتابة زائفة. ولا زال
الهوساويون يطلقون لفظ (Boko)
على جميع فروع المغرفة غير العربية والدراسات الإسلامية. وعلى هذا نستنتج أن لقب
حركة بوكو حرام يعني الدراسة على النمط الغربي حرام. ويأبى أعضاء الحركة هذا اللقب
ويفضلون الاسم الرسمي للحركة.
وأما
مؤسس
الحركة محمد يوسف فمن مواليد 1970 في ولاية يوبي، وبها نشأ
وبدأ بالتعليم الرسمي إلا أنه لم يكمل تعليمه النظامي، فاتجه إلى تعليم ديني غير
رسمي وأخيرا اتجه لتحريم التعليم الغربي والمطالبة بفصل الجنسين بل والانقلاب على
الدولة. وقد تتلمذ على يد أعضاء "جماعة إزالة البدعة" وخريجي الجامعة
الإسلامية بالمدينة المنورة الذين أطلقوا على أنفسهم لقب "أهل السنة"
كما سبق، أمثال الشيخ جعفر آدم، لكن يوسف انشق عنهم بسب فرطه وتطرفه، وكانت له
مناظرات مع زعماء هؤلاء حول قضايا التعليم والجهاد. ويبدو أن يوسف زاد اسم
"الجهاد" لإظهار نقطة الخلاف بينه وبين خريجي الجامعة الإسلامية.
ويرى الباحث أن النقاط الفاصلة في انشقاق يوسف عن
إخوانه السلفيين تكمن في نقطتين الأولى تكفير الديمقراطية والمنخرطين فيها من
المبادئ التي نشأت بوكو حرام عليها حيث يقول يوسف "ونحن لا نعتقد، ولا
نتعامل، ولا نستخدم الديمقراطية، لأنها مذهب
الكفار،
واتباعها أو التعامل معها، أواستخدام نظامها كفر. فلا يجوز لمسلم أن يرشح نفسه،
ولا أن ينتخب غيره، تحت ظل النظام الديمقراطي".اهــ [28]ـ
والثانية أن يوسف يرى استعجال توظيف السلاح فقد بين
يوسف أن تطبيق الشريعة واسترجاع المجد لا يكون إلا بالقوة والسلاح، وأن شفاء
الصدور لا ينال إلا بالجهاد، وأن الدعوة دعوة جهادية وليست سلمية[29]
في حين يرى سائر السلفية أن الوقت لم يحن لذلك. فقد اعتدنا سماع قول السلفية قبل
ظهور بوكو حرام بأن الوقت سيأتي لإعلان الجهاد على الشرك والبدعة، إلا أن ذلك
اختفى فيما بعد. كما برر سلفيون بارزون عملية الهجوم الإنتحاري كتابا وسنة في
محاضراة مسجلة، ولو أدى إلى قتل الأبرياء، لكن تحولوا عن ذلك بعد ظهور حركة بوكو
حرام، ونمثل بالأستاذ أمين دَوْرَاوَا، (قائد أركان الحسبة في حكومة كنو حاليا)
وكان من أشهر السلفيين المعروفين بالوسطية حاليا في محاضرة له أيام الحرب
الأمريكية في أفغانستان.[30]
وبمراجعة رأي الدكتور أندريا في مناقشته لمحور
الخلاف بين السلفية حول الديمقراطية، الذي أدى بجماعة بوكو حرام إلى حمل السلاح
لإسقاط الحكم في نيجيريا، توصل أندريا إلى استنتاج خطير جدا حول السبب الذي أدى
إلى انشقاق محمد يوسف وتأسيسه جماعة بوكو حرام. فبعد عرض آراء السلفية حول
المشاركة في الانتخابات والديمقراطية بصفة عامة؛ عارض ما ذهب إليه كثير من
الباحثين في تقسيم السلفية إلى سلفية جهادية وسلفية دعوية لسببين: الأول لايوجد
خلاف بين سلفية نيجيريا في مشروعية جهاد تنظيم القاعدة ضد أمريكا وحلفائها على
الرغم من الغموض الذي يكتنف رأي زعيمهم جعفر آدم[31].
والثاني: كل ما اعتمد الباحثون عليه من آراء السلفية الجهادية ومواقفها حول تحريم
المشاركة في الديمقراطية والانتخابات والتي يرى الباحثون أنها تميز السلفية
العلمية عن الجهادية هي عين الآراء التي استخدمها السلفيون في السعودية في محاربة
الذين يدعون إلى الإصلاحات السياسية داخل المملكة (الصحوة الإسلامية)[32].
وبمراجعة المناظرات بين يوسف وخصومه من السلفية لا يجد خلاف بينهما سوى في مسألة
تحريم الدراسات بالنمط الغربي، فتكفير المنخرطين في الديمقرطية وتحريمها من فتاوي
ابن باز وناصر الدين الألباني، وصادقت عليها اللجنة الدائمة للفتوى بالسعودية. والعجيب تمسك يوسف بها ونبذ خريجو الجامعة الإسلامية
بالمدينة بها. فما هذا إلا تحول واضح سببه خوف هذه الطائفة من شبكة الحرب على
الإرهاب عبر العالم. فعلى هذا يرى أندريا أن هذا من تناقض السلفية اقتضته الأحوال
السياسية.
وتغير موقف السلفية إثر انشقاق يوسف، فذهب أندريا إلى
أن معزل كَانَــمَّ ليس سوى معسكر قامت السلفية بإنشائه بتواطئ أكثر زعماء
السلفية، إلا أن ضغوط الحرب العالمي على الإرهاب من جهة والخوف من بطش الحكومات في
أبوجا أجبرت الكثير من السلفية على الانسحاب من مخطط معسكر كَانَــمَّ واتفقوا مع
المسؤولين النيجيريين على فكه، وهذا ما لم يرض به محمد يوسف فقامت الحكومة بفكه
عنوة، وفر يوسف إلى السعودية ولم يرجع إلا بعد أشهر وتدخل جعفر آدم الذي قام بدور
الوساطة بين يوسف والاستخبارات النيجيرية ليضمن عودة محمد يوسف إلى نيجيريا وصياغة
معاهدة بينهما بمساعدة محام[33].
فقد قلصت هذه الحادثة من ظاهرة معسكرات المدنية التي تقيمها جماعات سلفية لأغراض
التدريب المدني والإسعاف خوفا من تهمة التدريب الإرهابي.
إلا أنه
قبل رجوع يوسف التقى بمتطرفين في السعودية والذين ساعدوه في بناء شبكة جهادية
ومراكز سلفية يبث منها تعاليمه، ومن هذه المراكز مركز السلفية، ومركز ابن تيمية،
ومركز الطائفة المنصورة ومركز عبادة بن الصامت ومركز أبو هريرة.[34]
وهذا يتطابق مع التقرير الذى نشرته صحيفة "Daily Beast"
إلى أن أسامة بن لادن أرسل مبعوثا له يسمى محمد علي إلى نيجيريا عام 2002م ومعه ثلاثة ملايين دولار من زعيم القاعدة
السابق، وسلّم الأموال بالعملة المحلية إلى متطرفين ومنهم يوسف.[35]
بهدف توسيع أنشطة الجماعات الإسلامية المتطرفة فى نيجيريا وتطبيق الشريعة.
وبلغت المواجهة أوجها في عام 2009م وأدت إلى مقتل
زعيم الحركة على يد الشرطة في ظروف غامضة بعد اعتقاله هو والرئيس السابق لهيئة
الشريعة الإسلامية في ولاية برنو الحاج بوجِ فوي. وهذا ما جذب انتباه العالم إلى
وجود الحركة وأعمالها. وتجدر الإشارة إلى أن استخدام القوة المفرطة من قبل الشرطة
تجاه هذه الحركة ساهم في تحول خطابها ليكون أكثر راديكالية، فانتقل الخطاب من
تحريم الدراسة بالنمط الغربي إلى معاداة العلمانية يساوي بين التعليم والحضارة
الغربية من جهة والفساد من جهة أخرى، وتستخدم الجماعة هذا الخطاب لكسب دعم الشباب
وإقناعهم بعدم الذهاب للمدارس التي يتم فيها توفير التعليم الغربي.[36] وفي 8مارس 2015 بايعت بوكو
حرام تنظيم داعش في بيان صوتي بث عبر حساب الحركة على تويتر، بلسان
زعيمها أبوبكر شيكاو، الذي أعلن التزامه بالسمع والطاعة في العسر واليسر.
وقد شعر السلفيون بأن أعمال بوكو حرام بتطرفه يهدد
السلفية ككيان إسلامي في نيجيريا، لأن لسان حال الصوفية بدأ يخاطب الشعب والحكومة "سبق وأنذرناكم
من السلفية". فقام السلفيون بإلقاء محاضرات توجيهيه تبررهم من أعمال بوكو
حرام وعقائدها، وأشهر محاولة لتصدي السلفية ليوسف مقابلة له مع الأستاذ عيسى علي
فَنْتَامِي والتي برزت الكثير من آراء مؤسس حركة بوكو حرام محمد يوسف.[37]
وقبل اغتياله بوقت قصير عام 2007م ألقى جعفر
آدم "تنبيه حول جواز التعليم الغربي". وقد فك فيها الكثير من المعلومات
الحساسة حول علاقة السلفية الداخلية والخارجية بشكل عفوي. منها أن هناك الكثير
ليقول (حول يوسف وحركته) لكن سيأتي الوقت لصدع كل شيء.[38]
ومن ذلك أيضا محاضرة للدكتور محمد ثاني ريجير ليمو
ألقاها في مدينة ميدغري قبيل الفتنة الكبرى لبوكو حرام بثلاثة أشهر، استغرقت المحاضرة
يومين ذم فيها أعمال بوكو حرام بطريقة غير مباشرة، قسّم فيها الجهاد إلى الجهاد
الدفاعي حيث كانت أراض إسلامية تحت سيطرة قوى خارجية مثل جهاد أهل أفغانستان، فهذا
النوع مسموح به شرعا حسب ريجير ليمو، في حين ذم النوع الثاني وهو الجهاد العدواني،
حيث يحمل المواطن السلاح للجهاد بدون أن يكون هناك عدوان خارجي على دولته، فقال إن
هذا النوع من الجهاد غير مجد نظريا. بل ذهب إلى وصف أبي محمد المقدسي بأنه ليس
عالما مثل ناصر الدين الألباني أو العثيمين وابن باز.[39]
ويبدو أن بوكو حرام ردت على هؤلاء المناهضين بقتل
الشيخ جعفر2007 والشيخ محمد
أول الألباني 2014
وتهديد
أعضاء إزالة البدعة في رسالة فيديو بالقتل وصفة إياهم بعبدة الديمقراطية.[40]
السلفية ومواجهة الشيعية في نيجيريا:
بلغ الخطاب الحاد للسلفية إلى تحفيز العامة ضد
الشيعة، وهذا يمثل صورة واضحة للصراع السلفي الشيعي حول العالم. وأول مواجهة كانت
في صوكوتو 2007م بعد مقتل زعيم سلفي على يد مسلحين مجهولين، تم توجيه التهمة إلى
زعماء الشيعة، تلا ذلك شغب في صوكوتو تم فيه حرق منازل ودكاكين الشيعة. إلا أن
الباحث لا يستبعد أن يكون مقتل الشيخ السلفي له صلة بسلسلة اغتيالات بوكو حرام
لمناوئيهم في ذلك الوقت. وفي عام 2016 بدأت قوى ناعمة من السلفية بالهجوم على
مظاهرات شيعية لذكرى عاشوراء ويوم القدس في مدن متفرقة. فقتل شيعي واحد في صوكوتو
وتسعة في كشنا، وأربعة في حيّ تُدُنْ وَدَا بولاية كدونا بعد إحراق بيت الإمام. ويبدو
للباحث أن هناك خطرا كبيرا في المستقبل إذا استمر بعض الأفراد في المؤسسات
الحكومية في نيجيريا بانتهاز مناصبهم لانتمائهم السلفي أو تعاطفهم مع السلفية،
للتحامل على غيرهم، لأن الباحث يؤمن بأن المد السلفي يتنامى في هذه المؤسسات. وقد
عايش الباحث هذه الظاهرة في الجامعات والمعاهد العليا بحبيث تكثر الشكاوي ضد
السلفية من سوء استخدام النفوذ لقمع الحركات الصوفية والشيعية. وقد أدى هذا إلى
أعمال العنف والشغب في مؤسسات علمية مختلفة.
السلفية النيجيرية والربيع العربي:
تعاملت السلفية النيجيرية بحذر شديد جدا أمام الثورات
العربية التي نشبت عام 2011م، وعلى الرغم من موالاتهم للمملكة العربية السعودية
التي سارعت في مناصرة ثوار ليبيا وسوريا إلا أنهم لم يتحدثوا كثيرا أمام الجماهير
عن وجهتهم. طبعا كانت رؤيتهم للثورات العربية تتماشى مع رؤية المملكة بحيث أظهروا
الوقوف إلى جانب ثوار ليبيا وسوريا خلافا لتونس واليمن والإخوان في مصر، كل ذلك
بتحفظ كبير جدا. ويرى الباحث أن ذلك لسببين الأول كانت نيجيريا خلال اندلاع الربيع
العربي في أشد شغب بوكو حرام، فالوظيفة الأساسية للسلفية في ذلك الوقت تبرير
أنفسهم من كل ما يتعلق بالعنف وحمل السلاح خوفا لمستقبلهم، ولا شك أن للربيع
العربي أثرا كبيرا في ازدياد قوة الحركات المسلحة في نيجيريا. فقد تدفقت آلاف
الأسلحة الخفيفة من لبييا إلى شمال نيجيريا عبر النيجير والكامرون كما صرح بذلك
رئيس نيجيريا محمد بخاري والرئيس السابق أباسنجو. والثاني لم يكن الربيع العربي
يدعو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، بل كان دافعه وهدفه الحرية والديمقراطية.
الدعوة السلفية وإصلاحات السعودية:
لقيت دعوة السلفية في نيجيريا صدمة قوية إبان
الاصلاحات الاجتماعية التي أطلقها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. فالقضية
الأولى التي أثارت جدلا هي إنشاء مجمع الملك سلمان للحديث النبوي بالمدينة
المنورة، والتي تهدف إلى كشف المفاهيم المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وجاء هذا القرار صادما لجميع المسلمين كون الملكة قدمت نفسها لعشرات السنين كحامية
للسنة المطهرة بمفاهيم سلفية، وقد دافع عن منهج المملكة في ذلك جمهور السلفية في
نيجيريا. وهذا ما جعل الصوفية والشيعة يسخرون من السلفية في مواقع التواصل الاجتماعي.
وقد بدت السلفية في حيرة من أمرها، وكانت جميع ردودها دون المستوى المطلوب وغير
متماشية مع السياسة الجديدة للمملكة.
وخير مثال على هذه الحيرة ردّ الدكتور محمد الثاني
ريجير ليمو على إمام الجامع المركزي بالعاصمة أبوجا الأستاذ الدكتور إبراهيم أحمد
مقري وهو صوفي متمسك بالطريقة التجانية بعد مقابلة الأخير مع إذاعة بي بي سي (فرع
لغة الهوسا) حول إنشاء لجنة مراجعة الأحاديث. فقد وصف مقري الخطوة السعودية بالصادمة
من ناحية ومتوقعة من ناحية أخرى، وذلك أن السعودية الدولة التي دافعت عن هذا الفكر
ونشرته عبر العالم لعشرات السنين، ولا شك أن هذا الفكر قد روج للتطرف في الإسلام
وأساء العلاقة بين المسلمين أنفسهم كما أساء العلاقات مع غيرهم، فعلى هذا الأساس
لا غرابة إن نهضت المملكة لإصلاح أخطائها في تبني هذا المنهج. وعندما سألته
المذيعة عن علاقة الأمر بزيارة الرئيس ترامب مؤخرا أجاب بالإيجاب قائلا "طبعا
إن المملكة مؤخرا تحاول جادة في إصلاح علاقاتها الدبلوماسية مع أمريكا والغرب
وهؤلاء صرحوا لها بوجوب توافر شروط لإنجاح هذه العلاقة ولو بخرق المقدسات
الإسلامية، فيقولون مثلا "عليكم بشطب ما يعلم الإرهاب من أحاديث الرسول عليه
السلام" وهذا غير صحيح لا يوجد ما يعلم الناس الإرهاب في أحاديث الرسول صلى
الله عليه وسلم.[41]
وبعد بث المقابلة نشب حوار حاد بين السلفية
والصوفية على مواقع التواصل قام السلفيون بنقد إذاعة بي بي سي بعدم الإنصاف كونها
اختارت خصم المملكة ليعلق على سياستها، فبعد ضغط كبير من السلفية نزلت الهيئة على
مطالبهم فأجرت حوارا مع الدكتور ريجير ليمو الذي افتتح المقابلة بأن ما يقال من
تأسيس لجنة مراجعة الأحاديث غير صحيح؛ بل كان هذا الأمر موجودا. وأضاف لقد درست في
الجامعة الإسلامية وعملت مع مجمع الملك فهد لخدمة القرآن، وهناك فرع منه يقوم بخدمة
السنة وهناك كتب ودراسات مطبوعة. ثم إن هناك دعوات باستقلال هذا الفرع منذ أكثر من
عشرين سنة، وهذا القرار كان استجابة لهذا الطلب من قبل العلماء ضمن أربعة مقاصد
لخدمة السنة...مثل طبع كتب السنن وتوزيعها وتحقيق المخطوطات القديمة...هذه هي
الحقيقة، ولا يعني الأمر القيام ببحوث جديدة حول هذه الأحاديث بل إخراج ما ما كتب
قديما لنشره" وقد نفى بشدة علاقة هذا الأمر بمطالب غربية-أمريكية. وأخيرا
حاول تبرير المملكة ومناهج تعليمها من عقائد التطرف "إذا نظرنا إلى من نعاني
منهم هنا (نيجيريا) من منهم درس في
السعودية؟"[42]
وبالرجوع إلى الواقع نجد أن ريجير ليمو لايعيش مع
المستجدات في السياسة الإقليمية والدولية، فعلى الرغم من خلو نص الأمر الملكي من
ذكر "المفاهيم المكذوبة في أحادييث الرسول عليه السلام" أو حتى
ذكر الهدف من إنشاء المجمع إلا أن جميع المصادر والقنوات الإخبارية في المملكة
وخارجها روت بأقلام المواطنين وغيرهم أن الهدف الرئيس لإنشائه هو محاولة كشف
المفاهيم التي يستغلها المتطرفون في تبرير أعمالهم.[43]
ومما يؤكد هذا صدور قرارت مثل فتح السينما واستقطاب
نجوم هوليوود إلى المملكة للمشاركة في فعاليات سينمائية والحد من نفوذ هيئة الأمر
بالمعروف وتغيير فتوى اللجنة الدائمة تحت الشيخ عبد العزيز بن باز بتحريم البلوت،
والتي صارت حلالا بل قامت هيئة الرياضة باعتماد بطولتها الوطنية وترأس افتتاحها
الشيخ عادل الكلباني. وأخيرا إقرار ولي العهد أمام العالم على الهواء مباشرة من أن
دعم السعودية للفكر الوهابي كان استجابة لطلب حلفائها الغربيين أثناء الحرب
الباردة لإغلاق المنافذ أمام التغلغل السوفيتي في العالم الإسلامي.كل هذه
الإصلاحات وضعت السلفية في نيجيريا أمام سخرية خصمهم الصوفي والشيعي، فلم يكن لهم
أي رد بل ظلوا ساكتين أمام هذه النقدات والسخريات.
الخاتمة
توصلت الورقة إلى أن السلفية نشأت في
نيجيريا على أيدي مناهضين للعلماء التقليديين (الصوفية الأشعرية) في الستينات تحت
زعامة أبوبكر جومي الذي يعتبر الأب الروحي لسلفية نيجيريا على اختلاف طبقاتهم. كما
أشارت إلى تحول الخطاب السلفي مطلع الستينات ومرورا بالسبعينات وتأسيس جماعة إزالة
البدعة وإقامة السنة وكان خطابهم تكفير الصوفية، وتحول خطاب السلفية في التسعينات
بعد ظهور الدعاة الشباب من خريجي الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الذين قاموا بتغير صورة السلفية من المسار
التقليدي وحسنوا صورة السلفية. إلا أن العلاقات الخارجية لهؤلاء أدت إلى ظهور جماعات
متطرفة مثل بوكو حرام، وهذا ما أجبرهم على تغيير خطاباتهم إلى محاولة التصدي لهذه
الظاهرة وتبرير السلفية النيجيرية من الحركات الجهادية عن طريق المحاضرات؛ ونتج عن هذا تخفيف آراءهم المتطرفة كتبريرهم
للعمليات الانتحارية وموالاة منفذي الهجوم على الدول الغربية وغير المسلمين علنا.
فاختفت معاداة الدول الغربية وأمريكا من الخطابات الراهنة للسلفية مقارنة بما كان
بين 1999 و 2007. وقلص ظهور
بوكو حرام أيضا من ظاهرة المعسكرات المدنية التي تنشأ لأغراض التدريب المدني
والإسعاف خوفا من توجيه تهم التدريب الإرهابي. فكانت هذه أكبر التحديات الراهنة
التي تواجه السلفيه في نيجيريا بالإضافة إلى محاولة تكييف الخطاب مع التغييرات
الاجتماعية والدينية الراهنة للملكة العربية السعودية. كما توصلت أن خطاب السلفية
النيجيرية حول الديمقراطية غير مستقر ومتناسق بسبب قبولهم العمل تحت نظام الحكومات
الديمقريطة.
المراجع:
1.
ابن فوديي، عثمان بن محمد
"ولما بلغت" مخطوط.
2. أحمد مرتضى،
الدكتور: جماعة بوكو حرام، نشأتها ومبادئها وأعمالها في نيجيريا –قراآت
إفريقية، العدد الثاني عشر ربيع
الآخر - جمادى الآخرة 1433هـ ، أبريل - يونيو 2012م ص:14.
3.
رئيسة قاسم كاشاليا، أويو
ساليفو وايرين ندونغو : ديناميكيات التحول الراديكالي عند
الشباب في
أفريقيا، الورقة
البحثية رقم 296 لمعهد الدراسات الأمنية | أغسطس/آب 2.
4.
شيخ أحمد علادنثى
(الدكتور) حركة اللغة العربية وآدابها في نيجيريا. العبيكان للطباعة
والنشر، الرياض ط2، 1993م-1414هـــ
5.
ابنا الشيخ يوسف البرناوي،
خزع الورم من الخوارج الشيكاوية ببيعة أهل الكرم. قناة الحقائق للإعلام،
(منشورات داعش) الطبعة الأولى 1439-2018.
6.
Alexander Thurston -Salafism in
Nigeria: Islam, Preaching, and Politics. Cambridge University Press, 2016.
7.
Andrea Brigaglia: The
Volatility of Salafi Political Theology, the War on Terror and the Genesis of
Boko Haram, Diritto e questioni pubbliche, Palermo.Tutti
i diritti sono riservati, 15 (2)
8.
Andrea Brigaglia:“Jaʿfar Mahmood Adam,
Mohammed Yusuf and al-Muntada Islamic Trust:
Reflections
on the Genesis of the Boko Haram Phenomenon in Nigeria.” Annual Review of
Islam in Africa 11 (2012)
9.
Andrea. Brigaglia, “A
Contribution to the History of the Wahhabi Daʿwa in
West
Africa: The Career and the Murder of Shaykh Jaʿfar Mahmoud Adam (Daura, ca. 1961/1962-Kano
2007).” Islamic
Africa 3:1
(Spring 2012)
10.
Constitution of the Federal Republic of
Nigeria,
1999 Chapter one, part II
Section 10
11. Ramzi Ben Amara, The
Izala Movement in Nigeria: Its Split, Relationship to Sufis and Perception of
Sharīʿa ReImplementation A Dissertation Submitted in partial fulfillment of
the requirements for the degree of Doctor of Philosophy (Dr. phil.) at BIGSAS June 2011.
12.
https://theglobalobservatory.org/2015/12/izala-boko-haram-salafism-nigeria-extremism/
13.
https://www.cia.gov/library/publications/resources/the-worl-factbook/geos/ni.html
14.
https://www.thedailybeast.com/boko-harams-bin-laden-connection
15.
https://www.vanguardngr.com/2011/07/boko-haram-the-northern-nigeria-hausaland-2/
16. https://www.youtube.com/watch?v=hiM1ZUhmLAU
17.
https://www.youtube.com/watch?v=JlTOPgOzGkc
18.
www.bb.co.uk/hausa/labarai-41690173:
www.alriyadh.com163045
19.
www.dawahnigeria.comdawahcast/a/7179
20.
www.iu.sa/Page/Index/20234
21.
www.kiwi6.com/file/sbe8mz4z1p
[2] شيخ أحمد
علادنثى (الدكتور) حركة اللغة العربية وآدابها في نيجيريا ص 22 بتصرف
[3] تطلق كلمة
"الهوسا" على الموطن واللغة
والشعب، كما تطلق ويراد بها القبائل الساكنة بين ممكلة برنو شرقًا والمنطقة
الواقعة في الضفة الغربية لنهر النيجر غربًا، ومن حدود مملكة أهير شمالًا إلى حدود
نهر بينوي جنوبًا، كما تطلق تلك الكلمة على اللغة التي يتحدث بها هؤلاء الشعوب
والقبائل.
[4] ابن
فودي، عثمان بن محمد "ولما بلغت" مطبوعة بطباعة تقليدية بخط
مغربي. تحدث فيها عن بلوغه مقام الولاية في السير الصوفي.
[5] للمزيد
حول قضية دخول الإسلام يراجع حركة اللغة العربية وآدابها في نيجيريا، ص21-44.
[6] Alexander Thurston -Salafism in Nigeria: Islam, Preaching, and Politics. Cambridge
University Press, 2016.pp64
[7] من مؤلفاته في
ذلك العقيدة الصحيحة بموافقة الشريعة ألفه عام 1972م
[8] من هؤلاء
الشيخ أبوبكر عتييق التجاني في رسالة "تنبيه النبهاء لئلا يغتروا بأقوال
السفهاء(1970)"
[9] Andrea
Brigaglia: The Volatility of Salafi Political Theology,
the War on Terror and the Genesis of Boko Haram, Diritto e questioni pubbliche, Palermo.Tutti
i diritti sono riservati, 15 (2): p182
[10] شريط مسجل
لتفسير جومي عند قوله تعالى"ويسألونك عن المحيض قل هو أذى" الآية
[11] يقال في لغة
الهوسا تارة لكل من جاء بشئ غريب (wane
kazoo mana da izala) أي يا فلان جئتنا بشئ غريب (المعبر عنه
بلفظ الإزالة.
[12] تفسير حاكى
فيه أبوبكر جومي تفسير الجلالين حتى اتهمه البعض بسرقة جل ما فيه من تفسر
الجلالين.
[13] الموقع الرسمي للجامعة www.iu.sa/Page/Index/20234
[14] Alexander
Thurston -Salafism in Nigeria: p80-81
[15] وأكبر هذه
المساجد جامع المنتدى الذي أغتيل جعفر وهو يؤم صلاة الفجر
[16] Andrea
Brigaglia:“Jaʿfar Mahmood Adam, Mohammed Yusuf and al-Muntada Islamic Trust:
Reflections on the Genesis of the Boko Haram Phenomenon in Nigeria.” Annual
Review of Islam in Africa 11 (2012) p39
[17] Brigaglia,
Andrea. “A Contribution to the History of the Wahhabi Daʿwa in West
Africa: The Career and the Murder of Shaykh Jaʿfar Mahmoud Adam (Daura, ca. 1961/1962-Kano 2007).” Islamic Africa 3:1
(Spring 2012): p8-9.
[18] Constitution
of the Federal Republic of Nigeria, 1999 Chapter
one, part II Section 10
[19]
Alexander Thurston -Salafism in Nigeria: p169
[20] شريط مسجل مشهور لجومي متداوال بكثرة بين الناس.
[21] شريط مسجل
لتفسير القرآن للشيخ أبوبكر غيرو بلغة الهوسا، والترجمة من الباحث.
[22] الخطبة رقم 69 ضمن خطب جعفر في الرابط" www.dawahnigeria.comdawahcast/a/7179
[24] Andrea
Brigaglia:“Jaʿfar Mahmood Adam, Mohammed Yusuf and al-Muntada Islamic Trust: Reflections
on the Genesis of the Boko Haram Phenomenon in Nigeria.” 40
[25] أسست حركة
طالبان ولاية يوبي معسكرا في صحراء زاغ بِرِيرِي (Zagi-Biriri)
[26] أحمد مرتضى، الدكتور:
جماعة بوكو حرام، نشأتها ومبادئها وأعمالها في نيجيريا –قراآت إفريقية، العدد الثاني
عشر ربيع الآخر - جمادى الآخرة 1433هـ ، أبريل - يونيو 2012م ص:14.
[27] وهناك عادة قديمة في المجتمع الهوسوي
عند العرس، بحيث تغدر صديقات العروس بالعريس فيزينون إحدى الفتيات ويغطونها
ويقدمونها للعريس على أنها عروسه فيعطيهم من المال شيئا فيكشفون عنها يضحكون عليه
ونصرفون، فلا بد له من الدفع مرة ثانيا عندما تأتي العروس الحقيقية. فالعروس
الأولى تسمى
Amaryar boko أي الزائفة.
[28] خزع الورم من الخوارج
الشيكاوي ة ببيعة أهل الكرم.ابنا الشيخ يوسف البرناوي،قناة الحقائق للإعلام،
(منشورات داعش) الطبعة الأولى 1439-2018، ص14.
[29] المرجع السابق نفسه.
[31] وقد أثبت
الباحث شرعية ذلك بصوت أحد زعمائها الشيخ أبوبكر غيرو أرغنغ.
[32] Andrea
Brigaglia: The Volatility of Salafi Political Theology,
the War on Terror and the Genesis of Boko Haram, 189-194.
[33] جعفر آدم، في محاضرة له على اليوتوب.
[34] Andrea
Brigaglia: The Volatility of Salafi Political Theology, 195
[36] رئيسة قاسم كاشاليا، أويو
ساليفو وايرين ندونغو : ديناميكيات التحول الراديكالي عند الشباب في أفريقيا، لورقة
البحثية رقم 296 لمعهد الدراسات الأمنية | أغسطس/آب 2. ص7
[38] المحاضرة متاحة على اليوتوب بعنوان: Fadakarwa game da Halalcin Boko daga Marigayi Sheikh Ja’afar
على
الرابط: https://www.youtube.com/watch?v=hiM1ZUhmLAU
[39] Alexander
Thurston -Salafism in Nigeria: p15
[41] صوت مقابلة الشيخ مقري
متداول في مواقع التواصل ورد الشيخ ثاني كذلك.
[43] نص الأمر
الملكي موجود على الرابط من موقع جريدة "الرياض" : www.alriyadh.com163045
Comments
Post a Comment