القضايا الساخنة في علاقة المسلمين والمسيحيين في نيجيريا

طاهر لَوَنْ معاذ
 قسم اللغة العربية جامعة بايرو، كَنْو نيجيريا.
 Dahir Lawan Muaz
 Department of Arabic, 
Bayero University Kano Nigeria.
  dlmuaz.ara@buk.edu.ng
توطئة:

 طالما غرّد النيجيريون أنفسهم بأنه "لا يوجد ما يوحد جميع النيجيريين تحت مظلة واحدة سوى تشجيعهم لمنتخب نيجيريا لكرة القدم"، فما سوى ذلك فالنيجيريون مختلفون اختلافا شديدا في محاولة كل طرف فرض هويته على الدولة. فتعيين الحكومة للمناصب السياسية ومشاريعها التنموية دائما ما يثير جدلا واسعا بين الجنوب والشمال أو بين المسلمين والمسيحيين، بل تعرضت الدولة لهجوم عنيف في تعيين أيام العطلة في الأعياد الشعبية والدينية وتعيين أيام العمل والإجازة الأسبوعية؛ فضلا عن تعامل الحكومات بكيانات ومنظمات خارجية ذات توجه ديني، وإدخال الأنظمة الإسلامية مثل البنك الإسلامي وانضام الدولة إلى منظة التعاون الإسلامي وغير ذلك. كل هذه القضايا وغيرها خلقت جوا من التوتر الديني وجدال واسع في الصحف ومواقع التواصل الإجتماعي في نيجيريا، بل تارة تؤدي إلى أعمال شغب وعنف، مما يعرقل التقدم والنمو الإقتصادي والفكري وتعطيل ابنية التحتية لجمهورية نيجيريا الدرالية.

 الموقع الجغرافي لجمهورية نيجيريا:

 تقع جمهورية نيجيريا الإتحادية على الساحل الغربي من قارة إفريقيا وبالتحديد فيما بين خط 4 و14 شمال خط الإستواء من خطوط العرض وبين خط 3 و 14 من خط غرينيش من خطوط الطول. وتبلغ مساحتها 923768 كيلو مترا مربعا. وتحط من الشرق تشاد وكامرون، ومن الشمال جمهورية النيجر ومن الغرب جمهورية بنين ومن الجنوب خليج غينيا على شاطئ المحيط الأطلسي. 

السكان والقبائل والديانة: يقدر عدد سكان نيجيريا ب 184234796 نسمة حسب الموقع الرسمي للهيئة الوطنية للإحصائيات السكانية، وبيلغ عدد اللغات 527 منها 520 لغة حية، و 20 لغة قوية، و350 نشيطة، و28 لغة متردية، و44 لغة على هاوية الانقراض. إلا أن هناك ثلاث لغات رئيسة وهي الهوسا (Hausa) ويوربا (Yoruba) وإيبو،(Igbo) وتعيش أغلب قبائل الهوسا في منطقة الشمال، ويوربا في الجنوب الغربي وإيبو في الجنوب الشرقي في حين تعيش سائر القبائل منتشرة بين هذه المناطق الثلاث . ومن الجدير بالذكر أن هناك جاليات عربية تعيش في بعض ولايات الشمال مثل ولايتي بَرنو وكنو. 

 

نسبة المسلمين والمسيحيين في نيجيريا: من الصعب جدا الخروج بنسبة دقيقة لنسبة كل من المسلمين والمسيحيين في نيجيريا، بل إن هذا المموضوع من الموضوعات التي أثارث جدلا واسعا في أوساط النيجيريين منذ استقلال نيجيريا عام 1960م وحسب تقرير وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) إن نحو نصف النيجيريين مسلمون، وما بين 40 إلى 45% مسيحييون وباقي الأديان يمثلون 5%، إلا أن هذه الإحصائيات ما هي سوى افتراضات وتخمينات، لأن الديمغرافية النيجيرية معقدة جدا، لكننا نستطيع شم حقيقية الديمغرافية الدينية في نيجيريا من خلال ماياتي: يضم القسم الشمالي 19 ولاية بالإضافة إلى العاصمة أبوجا وأغلب سكانها مسلمون، وإن كان فيها بعض الوىيات التي كان للمسيحيين الأغلبية، فيما تضم منطقة الجنوب 17 ولاية أغلب سكانها مسيحيون، إلا أن الجنوب الغربي الذي يقطنه قبائل اليوربا يتمتع بأغلبية مسلمة. ثم إن نظام الأسرة في في الشمال يسمح بتعدد الزوجات وبالأخص بين المسلمين، وبالطبع هذا يرفع نسبة الولادة بين المسلمين فيما يعد ذلك في الجنوب سلبي ومرفوض. كل هذا يدل دلالة واضحة على أن أغلبية المسلمين، وقد احتلت نيجيريا المركز الأول في عدد المسلمين في القارة الإفريقية والمركز الخامس عالميا . وعلى هذه الديمغرافية يصف رئيس أساقفة الجزائر تيسيار نيجيريا بأنها "أكبر دولة المسلمسيحي في العالم" ويعني بذلك لا توجد دولة حيث يعيش عدد كبير من المسلمين والمسيحيين جنبا إلى جنب كنيجيريا. 

 

الدستور النيجيري والقضايا الساخنة:

 ينص الدستور النيجيري في المادة العاشرة بأنه "لا يجوز للحكومة الفدرالية أو حكومة الولايات أن تتبنى أي دين كدين رسمي" وإلى هذا الجزء من الدستور يلجأ الكثير من النيجيريين لقطع أية صلة بين جميع أعمال الحكومة الرسمية وسياستها الداخلية أو الخارجية وبين كل ما يتعلق بالدين وإن كانت هناك مصلحة الحكومة والشعب. ومن هذا المنطلق صارت الشؤون الدينية بيد الأمراء التقليديين ورجال الدين، كما أن الحرية الدينية والفكرية والعقدية التي أتاحها الدستور النيجيري في المادة 38 للشعب جعل الحكومات في نيجيريا لا تسيطر على أية جماعة دينية ولا تتدخل في معتقداتهم إلا ما أدى إلى العنف، وهذا بالطبع ساعد في تدفق الأفكار والمعتقدات المختلفة إلى نيجيريا من الخارج، مما أدى إلى تنامي الحركات الدينية السلمية وغيرها أمثال حركة جماعة بوكو حرام مؤخرا. فعدم مراقبة الأفكار والمعتقدات من قبل الحكومة لعب دورا في نشوب الصراعات، فعلى سبيل المثال قامت جماعة بوكو حرام بدعوتها إلى تحريم الدراسة بالنظام الغربي أكثر من عشر سنوات دون أي عائق، ولم تستفق الحكومات من غفلتها على الخطر المترقب حتى قويت شوكة الحركة. لكن الذي يهمنا هنا هو أن المسيحيين اعتمدوا المادة العاشرة السابق ذكرها للاحتجاج على الكثير من القضايا التي تمس السياسة الدخلية والخارجية لجمهورية نيجيريا، في حين لجأ المسلمون إلى المادة الثامنة والثلاثون والتي تنص على أن: "لكل شخص حق في حرية التفكير وحرية المعتقد وحرية الدين، ويدخل تحت ذلك تغيير شخص لديانته أو عقيدته. كما كانت له حرية -سواء أكان ذلك منفردا أو في جماعة مشتركة، علانية كان ذلك أو منعزلا-أن يبدي عقيدته أو دينه ونشره عبادة وتعليما وتطبيقا وملاحظة". وأكثر القضايا المتنازع حولها بين أصحاب الديانتين لم تؤد إلى أعمال شغب أو عنف بشكل مباشر، بل زلت تتداول كجدل حاد ينتهي تارة بردود على القنواة الإذاعية والتلفاز وفي الصحف والجرائد أو بكتابة رسائل من الجمعيات الدينية إلى الحكومات واجتماعات زعماء دين معين للتنديد بسياسة ما. وسوف نستعرض في الصفحات التالية بعضا من القضايا التي أثارت ولا زالت تثير صراعا وجدلا بين المسلمين والمسيحيين في محاولة كل طرف فرض هويته على الساحة السياسية والاجماعية.


    أولا: انضمام نيجيريا إلى منظمة التعاون الإسلامي.

انضمت نيجيريا إلى منظمة التعاون الإسلامي عام 1986 في عهد الرئيس الجنرال إبراهيم بدماصي بابَنْغِدَا، وهو مسلم من الشمال، وهذا ما جعل الشك يشق طريقه إلى قلوب المسيحيين في نيجيريا. وقد احتجوا على قرار الرئيس بابَنْغِدَا الذي كان حاكما عسكريا، وبرروا احتجاجهم بأن نيجيريا بلد علماني، وأن بعض الأهداف الرئيسة لمنظمة التعاون الإسلامي تنص على تعزيز وتقوية أواصر الوحدة والتضامن بين الشعوب المسلمة والدول الأعضاء صون وحماية المصالح المشتركة ومناصرة القضايا العادلة للدول الأعضاء ومناصرة قضية الشعب الفلسطيني وجماية الأماكن المقدسة. ومما زاد الطين بلة إثارة المسيحيين من خارج نيجيريا وبالتحديد من قبل منظمات دينية في جنوب إفريقيا، حيث قام مجلس المسيحيين بجنوب إفريقيا (Christian Council Of South Africa) بإرسال رسائل إلى زعماء الكنائس والمبشرين في نيجيريا في أكتوبر 1988م يحثهم على التصدي لما سماه مؤامرة إثارة الفوضى في نيجيريا من قبل المسلمين وإخوانهم في منظمة التعاون الإسلامي، بل بالغت الرسالة إلى ادعاء أن مجموعة من الدول العربية في المنظمة مثل ليبيا وعدوا المسلمين بمساعدات عسكرية لتخريب وقتل المسيحيين لائتصال الديانة المسيحية من نيجيريا. وقد لعبت الترجمة غير العادلة لمعاهدة منظمة التعاون الإسلامي دورا في تأجيج الوضع، فرسالة رئيس مجلس المسيحيين في جنوب إفريقيا مليئة بالحذف والزيادة وتغيير السياق في المعاهدة، فنقلت جمعية المسيحيين في جنوب إفريقيا هذه المعاهدة إلى المسيحيين النيجيريين بصورة خاطئة، مما زاد من تخوفهم على هذه الخطوة. ومن جانب آخر ردت الحكومة الفدرالية والمسلمون بحجج متشابهة، حيث أشاروا إلى انضمام دول مثل جمهورية بنين، وجمهورية توغو، ففي بنين كانت نسبة المسلمين فيها 24% مقابل 42 للمسيحيين وقد انضمت إلى المنظمة قبل نيجيريا بثلاث سنوات أي في 1983، وأما توغو فكانت نسبة المسلمين فيها حوالي 20%، مقابل51% للأديان الإفريقية التقليدية، و29% للمسيحيين. وانضمت للمنظمة عام 1997 م. كما أن الرئيس بلادمير بوتين قرر إشراك روسيا كعضو مراقب في منظمة التعاون الإسلامي لتحسين العلاقة مع العالم الإسلامي عام 2005م

 

  ثانيا: مجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية:


 كانت عضوية نيجيريا في مجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية من القضايا الساخنة أيضا، حيث شاركت نيجيريا في تأسيس هذه المجموعة عام 1997 في عهد الجنرال ثاني أباشا، وهو أيضا حاكم عسكري مسلم من الشمال، فزاد ذلك من شكوك المسيحيين تجاه المسلمين وما يخططون له. فثاروا على ذلك بتصريحات من كبار رجال الدين والأكادميين المسيحيين، أمثال الدكتوره أكوجي التي قالت "بأن الحكومة الفدرالية النيجيرية بمشاركتها في هذه المجموعة عام 1997 تدق طبول الحرب. 


   ثالثا: إدخال نظام البنك الإسلامي إلى نيجيريا:

 

 

من القضايا التي أثارت الجدل بين الديانتين في نيجيريا التصريح لتأسيس نظام البنك الإسلامي عام 2012م، وتعود بدايات تأسيس هذا النظام في نيجيريا إلى عام 2004م عندما أعطى البنك المركزي النيجيري تحت قيادة رئيسه السابق السيد شارلز سالودو التصريح لشركة جائز العالمية للصيرفة بمزاولة أعمالها المصرفية في نيجيريا تحت نظام مشاركة الربح والخسارة. إلا أن الخبر لم يظهر للنيجيريين إلا في مطلع 2011 عندما أصدر البنك المركزي الهيكل العملي لنظام المعاملات التجارية الخالية من الفوائد، تلاه في يونيو من العام نفسه إعلان رئيس البنك وقتئذ الحاج سنوسي لاميطو سنوسي في مؤتمر عقد في دكار عاصمة السنغال حول المصرفية الإسلامية بأن البنك المركزي النيجيري ولأول مرة أعطى شركة "جائز" تسريحا ليكون أول بنك إسلامي في نيجيريا. وبهذا التصريح انطلقت نيران الجدل بين زعماء المسيحية وزعماء المسلمين في نيجيريا، فصار هذا الحديث يتصدر مجالس العامة في الشوارع فضلا عن الصحف التي وجدت في النقاش مادة دسمة لبيع صحفهم. ولعبت منظمة المسيحيين في نيجيريا Christian Association of Nigeria (CAN) - وهي كبرى هيئة المسيحييين في نيجيريا- دورا كبيرا في تأجيج الموقف، حيث صدر عنها إعلان هذه الخطوة على أنها خطة لتحويل نيجيريا من بلد علماني متعدد الأديان إلى جمهورية إسلامية. كما تلا ذلك ردود أفعال من زعماء المسلمين تحت قيادة اللجنة العليا للشؤون الإسلامية في نيجيريا التي يترأسها سلطان صوكوتو. 

  

  رابعا: إدخال نظام الصكوك الإسلامية

في سياق متصل بالصيرفة الإسلامية أثار البنك المركزي النيجيري جدلا واسعا عندما أصدر في سبتمبر 2017 بيانا يقرر فيه أنه بصدد بيع الصكوك السيادية البالغ قيمتها 100 مليار نيرا، أي ما يربو على 315 مليون دولار في سعيه لتوسيع رقعة الإقتصاد النيجيري وتنويع سبل الإستماري لمشاريع الدولة مع إتاحة الفرصة للمؤسسات المالية التي لا تتعامل مع الفوائد. إلا أن الرد جاء سريعا من قبل (CAN) التي أعتبرت الخطوة جزء من سلسلة الخطط المعدة لأسلمة نيجيريا وبيعها للدول العربية. وكما هو متوقع أصدرت اللجنة العليا للشؤون الإسلامية في نيجيريا بيانا يرد على(CAN) ويتهمها بتضلليل المسيحيين على الرغم من معرفة أن البنك العالمي كان يتعامل مع نظام الصكوك في معاقداته، وأن العديد من الدول غير الإسلامية في إفريقيا وأوربا وآسيا أمثال كينيا وتنزانيا وجنوب إفريقيا والمملكة المتحدة وروسيا ولوكسمبورغ والصين وسنغافورة أسسوا نظام الصيرفة الإسلامية بصفة عامة ونظام الصكوك بصفة خاصة. كل هذا وذاك جعل البنك المركزي والحكومة النيجيرية في موقف صعب، لكنها في الأخير خرجت عن صمتها فدافعت عن مخططها عن طريق وزير الإعلام الحاج لاي محمد الذي رد في مقابلة له مع جريدة "إندفيندنت" على منظمة المسيحيين في نيجيريا بأن يتوقفوا عن تضليل أتباعهم، وأضاف "إنهم بحاجة إلى معرفة معنى الصكوك.

 والحديث عن أسلمة نيجيريا ما هي إلا مجرد أضحوكة. كل هذا لم يردع جمعية المسيحيين عن التعرض لهذه القضايا، بل تمادوا في دعايتهم لإخراج نيجيريا من جميع المنظمات ذات طابع ديني عبر العالم، وذلك في اجتماع عقدوه في مدينة لاغوس في أوائل نفمبر 2017. وعدم تنفيذ ذلك يعني مزيدا من التوتر حول ما سموه "أسلمة نيجيريا"

خامسا: تطبيق الشريعة الإسلامية في بعض الولايات الشمالية:

 تعد قضية تطبيق الشريعة الإسلامية في بعض الولايات الشمالية من الأمور الحساسة التي أثارت جدلا ليس فقط داخل نيجيريا بل في خارجها أيضا، وقد أدت إلى مظاهرات من قبل كل من المسلمين والمسيحيين ومناوشات هنا وهناك، وأشارت بعض التقريريات إلى سقوط ما يقارب مائة قتيل في ولاية كنو. وإن كان الباحث يجد هذا ادعاء فقط، لأن الحادثة المشار إليها نظمت للتنديد بإدارة جورج بوش عقب بداية هجوم أمريكا على حكومة طالبان في أفغانستان كما ورد في تقرير إذاعة VOA وليس بسبب تطبيق الشريعة. كانت بداية القصة يوم 19 من سبتمبر 1999 حيث أعلن حاكم ولاية زَمْفَرَا الحاج أحمد ثاني بأنه سيفي بوعده أثناء حملته الإنتخابية  بتطبيق الشريعة الإسلامية في جميع ولايته، ثم تلا ذلك ضغط العامة في بعض الولايات على حكامهم باتباع قرار أحمد ثاني. وتم ذلك في ثماني ولايات أخرى وهي: كنو Kano صوكوتوSokoto ، كشنةKatsina ، بوشيBauchi، برنوBorno، جغاوا Jigawa، كبيKebbi، ولاية يوبيYobe

وقد استند المسلمون إلى المادة 38 للدستور النيجيري والتي سمحت لكل مواطن مزاولة شعائر دينة دون أي قيد، ثم ونصها "لكل شخص حق في حرية التفكير وحرية المعتقد وحرية الدين، ويدخل تحت ذلك تغيير ديانته أو عقيدته. كما كانت له حرية -سواء أكان ذلك منفردا أو في جماعة مشتركة، علانية كان ذلك أو منعزلا-أن يبدي عقيدته أو دينه ونشره عبادة وتعليما وتطبيقا وملاحظة" لم يكن رد فعل المسيحيين بعد ذلك سوى التنديد بمحاولة فرض الشريعة الإسلامية عليهم، كما كانوا يخافون من مضايقة جنود "الحسبة" في مزاولة حقوقهم في هذه الولايات في مثل قضايا الحجاب في المدارس الحكومية، وشرب الخمر والإتجار فيه، واختلاط الرجال بالنساء في أماكن عامة، وعدم السماح لهم بإعلانات دينية في القنواة والإذاعات الحكومية؛ أو حتى عدم الحصول على مساعدات مالية أو قطعة أرضية لبناء الكنائس في الولايات التي طبقت الشريعة الإسلامية. كما ندد السياسيون المسيحيون بالخطوة واعتبروها مخالفة للدستور النيجيري الذي نص -في المادة العاشرة- على تحريم تبني الحكومات أي دين كدين رسمي. 

ومن جانب آخر نجد المسلمين يحتجون على بعض القضايا الوطنية التي يرون بأن الحكومة تحاملت عليهم فيها، وإن كان الباحث يؤمن بأن هذه الشكاوي ليست سوى رد فعل طبيعي للتخفيف من كثرة شكاوي المسيحيين، فالمسلمون لم يكن لهم شكاوي لعلمهم بأن الحكومة النيجيرية ليست حكومة تابعة لأي دين، وكثرة الشكاوي لا تنفعهم، لذا لايشتكون ما دام أنهم يقومون بأداء شعائرهم الدينية بحرية تامة. ولكي يقرر الباحث ما ذهب إليه سنعرض هنا بعض القضايا التي اشتكى المسلمون منها، والتي تبدو هشة إذا ما قورنت بشكاوي المسيحيين. فمن هذه القضايا: 

  العطلة الأسبوعية

العطلة الأسبوعبة في نيجيريا هي السبت والأحد، ولا يشك أحد أن هذا ينصب في صالح المسيحيين، أما يوم الجمعة فيوم عمل في جميع مؤسسات الحكومة، اللهم إلا تخفيض ساعات العمل لبعض المستويات تآلفا للمسلمين. وكرد فعل على شكاوي المسيحيين يقول بعض المسلمين إنهم قبلوا عطلة يومي السبت والأحد على رغم أنفهم، ولكي لا تكون فتنة بين المواطنين وزيادة التوتر بين الديانتين. 

 

  سادسا: تفضيل المسيحيين على المسلمين في المناصب الحكومية.

يشتكي المسلمون بشكل غير رسمي من كثرة المسيحيين في مناصب الإدراة الحكومية، بحيث لا يمثل نسبة المسلمين في نيجيريا. وإن كان الباحث يؤمن بأن هذا ناشئ من قبول المسيحيين وتوجههم للدراسة على النمط الغربي في الجنوب منذ أيام الإستعمار، في حين تأخر المسلمون عن ذلك في الشمال نتيجة توجههم إلى الدراسة الدينية أكثر حتى وقت متأخر. مما جعل نسبة الحاملين للشهادات الجامعية في الجنوب يفوق نسبة ذلك في الشمال. وهذا بالطبع ما مكن المسيحيين في المناصب الحكومية.

 

  سابعا: تساهل الحكومات بما يمس حياة المسلمين الأمنية والإجتماعية: 

يتساءل المسلمون عن تسارع الحكومات النيجيرية إلى النظر في قضايا المسيحيين الإجتماعية والأمنية خلافا لما يتعاملون به شؤون المسلمين. فعلى سبيل المثال كلما حدث عنف في الشمال وتم فيه قتل المسيحيين الأقلية تتسارع الحكومات في البحث عن الفاعلين والتنديد بهم، في حين تسكت الحكومات عن قتل المسلمين في الساكنين في الجنوب. وخير مثال على ذلك ما ذكره أمير كنو الحاج محمد السنوسي في حديث له مع جريدة Punch النيجيرية من أن الحكومة الفدرالية لم تحرك ساكنا عندما قتل ما يزيد على ثمانمائة من الرعاة الفلانيين في ولاية تَرَبَا شمال شرق نيجيريا في يونيو 2017 على الرغم من تقديم صور وفيديوهات لما حدث إلى الحكومة مع أسماء السياسيين الضالعين في هذه الجريمة. وجاء تصريح الأمير ورئيس البنك المركزي النيجيري السابق عقب هجوم الصحافيين والمسيحيين وتنديدهم على الرعاة الفلانيين-وهم مسلمون- بعد هجومهم على المزارعين المسيحيين مطلع عام 2018 في ولاية بِينْوى المجاورة لولاية تَرَبَا، مما أجبر الحكومة على اتخاذ تدبيرات أمنية وتحويل مفوض الشرطة الفدرالية إلى بِينْوى فورا. فالمسلمون كما يبدو يشعرون بتفضيل المسيحيين في مثل هذه الحوادث وفي كيفية تعامل الحكومة الفدرالية مع قضايل المسلمين. إلا أن الباحث يؤمن بأن قلة الشكاوى من قبل زعماء المسلمين سواء رجال دين كانوا أو سياسيين وكثرة ذلك من الزعماء المسيحيين هو ما يسبب ذلك، بحيث يكثر ضغط المسيحيين على الحكومة في قضايا كهذه.   

  مقترحات وحلول:

 رأينا في الصفحات السابقة طرفا من القضايا الساخنة بين المسلمين والمسيحيين في نيجيريا، كما مررنا على نوعية هذا الصراع، فالسؤال المتبادر إذًا ما هي الحلول لهذه المشكلات؟ وكيف تقلل من هذا الصراع الديني الذي يؤدي إلى النفور أو العنف بين أبناء الوطن الواحد؟ للإجابة عن ذلك وضع الباحث سلسلة من المقترحات التي يرى بأنها كفيلة لخفض مستوى النفور بين أتباع الأديان والمعتقدات في نيجيريا وبالأخص بين المسلمين والمسيحيين. وتنقسم هذه السلسلة إلى قسمين،

القسم الأول مقترحات تتعلق بدور الحكومة الفدرالية وحكومات الولايات، 

أما القسم الثاني فمقترحات وتنبيهات لجميع الموطنين النيجيرين. 

  أ‌- مقترحات للحكومات 

• العدل والمساواة: إن العدل أساس كل سلطة، فعلى الحكومات محاولة تطبيق مبدإ العدالة والمساواة بين المواطنين، فلا يحق للحكومة إهمال حقوق أي طرف من أطراف شعبها على أساس عرقي أو ديني أو إقليمي. 

• تعزيز سبل الحوار: 

من الأسباب الكثيرة المؤدية إلى الصراعات والجدال بين المسلمين والمسيحيين في نيجيريا الفهم الخاطئ لمقاصد الأديان وشرائعها؛ فعلى الحكومات في جميع مستوياتها النظر في سبل تعزيز اللقاءات التعريفية والحوارية بين مختلف مواطنيها لبناء جيل مثقف متناغم في سبيل تنمية الوطن. فمن المؤسف أن لا يكون لدولة بحجم نيجيريا مركز وطني للحوار بين المسيحيين والمسلمين وبين قبائلها الزائدة على أربعمائة. نعم؛ أُسس مجلس حوار الأديان في سبتمبر عام 1999م الذي يضم خمسين عضوا، خصص لكل من المسلمين والمسيحيين 25 مقعدا، ولم يمض عقد من الزمن حتى بدأت الصحف تتساءل أين المجلس؟ لازدياد العنف والشغب في نيجيريا بعد إنشاء المجلس، مما يعنى عدم فاعليته. وعلى هذا يقترح الباحث إنشاء مركز وطني مستقل لحوار الأديان والثقافات، يضم كوكبة من الباحثين الأكاديميين والمثقفين ورجال الدين، يعملون بدوام كامل في البحث عن سبل تعزيز السلام في أرجاء البلاد، هذا ما يتطلبه الوضع وليس مجلسا يضم زعماء الأديان فقط.  

• المؤتمرات والفعاليات:

 على الحكومات أن تقوم بتنظيم فعاليات ومؤتمرات من وقت لآخر تحت رعاية المركز المقترح؛ بحضور باحثين ومتخصصين في الحوار وحل النزاعات من داخل الوطن وخارجه؛ وذلك لمشاركة ومبادلة تجاربهم في حل النزاعات وطرقه.

 • تدريس مواد حوار الأديان وحل النزاعات في الثانوية والمعاهد العليا: 

على الرغم من إدخال مثل هذه المواد في الجامعات الفدرالية عام 2006م وقد كان الباحث أيام دراسته في مرحلة الباكلوريوس من الذين بدأت الدراسة بهم، وقد لاحظ عدم التعمق والاعتناء التام بهذه المواد من قبل الطلاب والمدرسين على حد سواء، فعلى هذا؛ ما زالت هناك حاجة إلى تعزيز هذه المواد وإلقائها بشكل أكثر فاعلية، كما أن ترجمة هذه المواد وتدريسها باللغات المحلية له فاعلية لاتقل عن تأسيس المواد.  

• خلق فرص عمل للشباب العاطلين عن العمل:

 تعد البطالة الحافز الأساسي للعنف في نيجيريا، فالشباب العاطلين عن العمل هم السلاح الذي يحول الصراعات الصحفية والجدال إلى الواقع. فقد أشار تقرير المكتب الوطني للإحصائيات بأن نسبة البطالة في نيجيريا ارتفع في عام 2017 من 14.2 % إلى 18.8،حيث بلغ عدد العاطلين عن العمل في الربع الأخير من السنة إلى ما يزيد على 33 مليون عاطل. فعلى الحكومة أن تشمر عن ساق الجد في خلق فرص العمل لهؤلاء الشباب حتى لا يقعوا فريسة الصراعات الدينية والقبلية.

 

  ب‌- تنبيهات للمواطنين 

 

على المواطنيني في نيجيريا أن يعلموا أن هناك روابط قوية جمعتهم، فالاختلاف الديني واحد من عشرات الروابط التي جمعت بني الإنسان، فلا ينبغي أن نركز على الرابط الديني فقط، ومن الروابط المشتركة ما يلي: 

 • الإنسانية

على المرء أن يتذكر أن الرابط الإنساني هو الرابط هو الأساس في العلاقات الإنسانية، وعلى الرغم مكن اختلاف الألسن والأجناس والألوان؛ إلا أننا لاننسى بأن جميعنا منحدرين من سلالة واحدة وهي السلالة الآدمية، وقد اتفقت الأديان على احترام هذا الرابط القوي عن طربق الاحترام والتخلق بالأخلاق الفاضلة. ومن هذا المنطلق سمحت الشرائع السماوية بارتباط العلاقات الزوجية بين أتباع هذه الديانات حسب نظام وشروط محددة. 

   • العلاقات الأسرية

إن الحياة الإجتماعية في الكثير من المدن التي يعيش فيها المسلمون والمسيحييون جنبا إلى جنب تقتضي إيجاد روابط أسرية، ففي ولايات مثل فلاتو وكارا وتراب في القطر الشمالي تجد أسرة تتكون من أب مسلم وزوجة مسيحية وأبناء مختلطين، وكذلك الحال في الجنوب الغربي حيث تعيش قبائل يُوربا، فعلى هذا فلا مفر من احترام هذا الرابط الأسري. 

   • المسيحية والإسلام من الأديان السماوية:

 لا يختلف واحد في أن هناك قواسم مشتركة بين الديانة المسيحية والإسلامية، فكلا الديانتين دين توحيد، بل نص القرآن الكريم على أن من لم يومن بنبوة عيسى عليه السلام لم يكن مسلما أصلا، ويحكم على الإساءة إليه أو إلى أي نبي بالإعدام؛ لأنه لافرق بينه وبين الإساءة للنبي محمد عليه السلام.  

  • كلنا نيجيريون: 

علي المواطنين أن يضعوا مصلحة الوطن أولا في الحسبان، فالكل ينتمي لنيجيريا ويلجأ إليها في جميع شؤونه الدينية والدنيوية، فعندما نسافر إلى مكة لآداء فريضة الحج أو نذهب إلى القدس أو روما لم نكن نُعامل كمسلمين أو مسيحيين فقط بل نُعامل كنيجيرين كذلك، نحمل جواز سفر نيجيري وندخل تحت الرعاية الدبلوماسية النيجيرية أينما نحل، لذا يجب المحافظة على استقرار نيجيريا كوطن موحد يتمتع باستقرار أمني، والمحافظة على حسن سمعة نيجيريا. الخاتمة: عرضت الورقة شيئا من القضايا الساخنة بين المسلمين والمسيحين في نيجيريا، والتي تثير جدلا في أوساط النيجيريين، مثل قضية ما أسماه بعض الزعماء المسيحيين بأسلمة نيجيريا عبر بوابة البنك الإسلامي وتطبيق الشريعة الإسلامية في بعض الولايات الشمالية، ثم راينا بعض الردود من قبل المسلمين. ثم اقترحت الورقة بعض الحلول لتهدئة الموقف وتقريب المفاهيم بين النيجيريين على اختلاف ديانتهم؛ مثل عقدج المؤتمرات والفعلايات التي تتناول العلاقة الثنائية وكيف تتم، وتدريس المواد المتعلقة بحوار الأديان وغير ذلك. وهناك قضايا لا تقل أهمية عن هذه،أشرنا إلى بعضها بصورة خاطفة مثل النزاع الدائر بين الرعاة الفلانيين والمزارعين، وهي من القضايا التي تحصد الأرواح والأموال في شمال نيجيريا وجنوبها على حد سواء، وكان نشوء تاصراع غالبا يأتي من أجل فقد مزارع مخصصة للرعاة.  

  الهوامش:

·        [1] آدم عبد الله الإلوري، موجز تاريخ نيجيريا، ص21.

·        [1]  www.population.gov.ng  بتاريخ 11 من يناير 2018

·        [1] www.ethnogue.com/contry/NG

·        [1]: إبراهيم خليل يوسف، الشعر العربي في شمال نيجيريا من 1960 إلى 2000 جمعية الدعوة الإسلامية العالمية، كلية الدعوة الإسلامية طرابلس، قسم الدراسات العليا، شعبة اللغة العربية، ص26

·         [1] ملف نيجيريا في الموقع الرسمي لـ(CIA):  https://www.cia.gov

 

·         [1] J.O. Onaiyekan, “Being the Church in an Islamo-Christian Society: Emerging Patterns of Christian/Muslim Relations in Africa—A Nigerian Perspective,” in Towards an African Synod, ed. G. Alberigo and A. Mushete, Concilium, 1992, p.48.

·         [1] Constitution of the Federal Republic of Nigeria, 1999 Chapter one, part II Section 10.

·         [1]  Femi Ajay: The Effect of Religion on Political Process, iUniverse Publishing, March 2009. Pp 166-167.

·        [1] تقرير الحريات الدينية في العالم لعام 2007 لوزارة الخارجية الأمريكية في موقعها الرسمي:

·         www.state.gov/j/drl/rls//irf/2007/90082.html

·         [1] موقع منظمة العاون الإسلامي: www.oicun.org/3/28

·        [1] المرجع السابق.

·        [1]  السابق : www.oicun.org/3/27

·        [1] Sammani Maibushira, Identity And Integration In Security Issues: In Islamic Perspective, ورقة مقدمة إلى المؤتمر الدولي لكلية الآداب والدراسات افسلامية جامعة بايرو كنو نيجيريا 2016

·        ص20.

·        [1]  Alao, David Oladimeji PhD. Alao Esther Monisola :Islamic Banking: The Controversy Over Non-Interest Banking System In Nigeria, Arabian Journal of Business and Management Review (Nigerian Chapter) Vol. 1, No. 1, 2012, pp70-71.

·        [1] بيان رسمي في موقع(CAN)عنوانه: http://www.canng.org

·         Sukkuk Issuance Unconstitutional: It is Selling Nigeria through the Back Door-CAN. 20 September 2017.

·         [1] Premium Time Newspaper, Sukuk Bond: Nigeria’s Supreme Islamic Body Replies CAN accuses it of Islamophobia, 22nd September 2017.

·        [1] Independent: Stop misleading your Followers, overheating The Polity, FG Tells CAN. 20th September 2017. 

·        [1] بيان رسمي في موقع(CAN) عنوانه: http://www.canng.org

·         ISLAMISATION: Serious Tension as all Christian Elders/Leaders and Christian Association of Nigeria (CAN) Speak Loud and in Clear Terms09 November 2017.

 

·        [1] تقرير لإذاعة الهيئة البريطانية بي بي سي 20-05-2004:  http://news.bbc.co.uk/2/hi/Africa/3708309.stm

·        [1] تقرير لإذاعة (VOA)16-10-2001, تحديث 30-10-2009.

·        [1] كان محمد السنوسي رئيس البنك المركزي النيجيري ما بين 2007 و2014 وتم في عهده إدخال نظام البنك الإسلامي كما مر. تم تعيينه أمير كنو وبعد عزله من قبل الرئيس جونثان بعد تسرب رسالة كتبها السنوسي إلى الرئيس ينبهه فيها عن عملية فساد تبلغ 20 مليار دولار في قطاع النفط.

·         [1] https://punchng.com/sultan-and-i-are-miyetti-allahs-patrons-says-sanusi/

 

·        [1] الموقع الرسمي المكتب الوطني للإحصائيات: http://www.nigerianstat.gov.ng/#unemp

 

 


Comments

Popular posts from this blog

SALLAR TARAWIHI DA TAHAJJUDI DA YADDA AKE YINSU

من خواص أذكار الطريقة التجانية حزب البحر للإمام الشاذلي

TARIHIN WAFATIN ANNABI SAW 1 DAGA TAHIR LAWAN MUAZ ATTIJANEEY