خطبة المولد النبوي لشيخ الإسلام الحاج إبراهيم نياس عام ١٣٨٠


الخطبة الجليلة التي ألقاها شيخ الاسلام الشيخ 
ابراهيم انياس الكولخي في حفلة مولده صلى الله عليه وسلم يوم ١٢ من ربيع الأول عام ١٣٨٠هجرية .
بسم الله الرحمن الرحيم .
صلى الله على سيدنا محمد الفاتح الخاتم وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم .
الحمد لله الذي خصنا بالمختار من كل مختار فكفانا بإختياره كل اختيار فقال (( كنتم خير أمة أخرجت للناس )) آل عمران 110وقال (( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس )) البقرة 143 تفضيلاً من الملك الوهاب الذي ليس بغافل ولا ناس ، لا تأخذه سنة ولا نوم ولا نعاس ، والصلاة والسلام على هذا النبراس أفضل نبي ورسول بلا تردد ولا وسواس وعلى آله وصحابته القادة الأكياس .
أما بعد :
فإن الله تعالى بهذا العيد السنوي لأهل محبة سيد الأولين والآخرين وخاتم الأنبياء وإمام المرسلين أوجد لنا مؤتمراً يجمعنا مع أحبابنا من المشرق إلى المغرب ومن الشمال إلى الجنوب بل ومن الأرض إلى السماء والإنس والجن والحيوان الجمادات فرحاً بالحبيب المقرب وتعظيماً وإجلالاً له صلى الله عليه وسلم ومن أجل المحبة والتقرب فأرى أنه لمن الواجب المؤكد علي أن أضع لكم ما لا بد منه لكم في سبيل السلوك والتربية .
أولاً :
تصحيح الإيمان بالله الذي له ملك السموات والأرض لم يتخذ صاحبة ولا ولداً ولا شريكاً ولا ظهيراً ولا وزيراً تعالى عن ذلك علواً كبيراً وهو وحده الإله في السماء والإله في الأرض وهو المعطي المانع المعز المذل الخافض الرافع الحي القيوم القادر المريد المتفرد بالقدم والبقاء والعلم والحياة والسمع والبصر والكلام هو الأول والآخر والظاهر والباطن القريب اقرب إلى كلنا من حبل الوريد فعال لما يريد لا يحويه زمان ولا مكان وهو بكل شيء محيط لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ، ليس كمثله شيء (( قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاً أحد )) (( لا يسأل عما يفعل وهم يسالون )) (( أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله )) فأنزل الكتاب المعجز (( قل لئن أجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً )) الإسراء 88 فهدانا من الضلالة وانقذنا من العمى والجهالة والحمد لله رب العالمين .
ثانياً :
اتقان العبادة لله تعالى بالإخلاص كما أمرنا قال جل وعلى (( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين )) البينة 5، فإن الإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان يزيد وينقص ، ومن علامات الإيمان أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك والحب في الله والبغض في الله .
ثالثاً:
المنافسة في محبة حبيبه صلى الله عليه وسلم لأنه حبيب الله ، فمن أحب الله حقاً أحب عبده وحبيبه ، ومعرفة حياته صلى الله عليه وسلم وسيرته وأخلاقه من آكد الأشياء ، لأن معرفته ومعرفة قدره معرفة قدر دينه الذي جاء به ، فالتصديق بدينه نتيجةً لتصديقه وعظمته نتيجة لعظمته ، وإنه لا سبيل إلى السعادة الأخروية اليوم إلا دينه الحنيف الناسخ لسائر الأديان .
وعمل المولد نستنبطه من الآية الكريمة (( وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك )) هود 120، فنحن نقص انباء نبينا ليثبت الله قلوبنا على الإيمان به وبما جاءنا به ، لأننا نعرف يقيناً أن الله عظمه ما لم يعظم به أحداً من خلقه من الأنبياء والمرسلين والملائكة ، وذلك بإختيار آبائه وأمهاته من آدم وحواء إلى عبد الله وآمنة ما مسه شيء من أمر الجاهلية ، وتبشير الله بمجيئه قبل مجيئه وذلك غاية في التعظيم .
وذكره في الكتب السماوية القديمة ومبايعة الأنبياء له قبل وجوده بأمر الله ، ونطق الحيوانات والجمادات بتصديقه وما وقع من الآيات والخوارق عند قرب مولده ونشأته وحسن صورته وخلقه وصلاة الله والملائكة عليه والمؤمنون إلى يوم القيامة ودعائه بالتحية ، والكناية نحو (( يا أيها الرسول - يأيها النبي )) بخلاف سائر الأنبياء على جلالة قدر كل منهم عند الله فما نادى واحدا منهم إلا بإسمه لأنهم عبيده (( يا آدم -يا نوح - يا ابراهيم - يا موسى - يا عيسى - يا داوود )) وما في القرآن البتة يا محمد أو يا أحمد ، نعم سماه بإسمه ليعرف وصفه بما يفرق بينه وبين غيره (( محمد رسول الله - وما محمد إلا رسول - ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين )) فهو عبدالله حقا .
وأختار الله تعالى تعظيمه تعليماً لنا فبتعظيمه تعظيم دينه وذلك يقتضي أمتثال الأوامر واجتناب النواهي وبهذا نزداد محبةً على محبة فيه صلى الله عليه وسلم ، ومحبته صلى الله عليه وسلم من أكبر اسباب السعادة بدليل ( المرء مع من أحب ) وهذه التحركات نوع من خدمته صلى الله عليه وسلم وخدمته سعادة ، وبما اثرت هذه المحبة فورثت رؤيته في المنام ، ورؤيته في المنام كرؤيته في اليقظة وإن لم تكن رؤيته - لا حرمنا الله - فلا أقل من أن تتمتع حاسة السمع بسماع محاسنه والحواس على درجة واحدة ، فالمحب حين يسمع ذكر محاسنه يكون كأنه رأه ، وكذلك نتيقن أن ما نسمعه من مكارم أخلاقه يجب علينا أن نتكلف الإقتداء به ، فنعفوا عمن ظلمنا ونصل من قطعنا ونعطي من حرمنا ، وهذا اتباعه وقال : (( قل إن كنتم تحبون الله فأتبعوني يحببكم الله )) آل عمران 31 وكذلك ننفق ما لنا ونطعم الجيعان ونقرى الضيف ونكسو العراة ونعين ذو الحاجات والفاقات كله هذا من سبيله (( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني )) يوسف 108 ونحذر من كل محدثة تميت السنة وهي معنى بدعة الضلالة ، ونأمر وننهي عن المنكر لله بالله ، ونؤمن بالله ، ونعرض عن الجاهليه ونتصامم عن تقولات المتقولين فينا ونحتمل إذاية الخلق .
فإن من تقول في كلنا أو في بعضنا إما أن يعيبنا بشيء وهو صادق فيما يقول فنستغفر الله ونتوب إلى الله ونتحقق أنه ستر علينا أكثر مما تقول به المتقول فهو غفار الذنوب وستار العيوب ، والكمال لله ، فالنقص وصفنا الذاتي ، فلولا أنه أمدنا بشيء من كماله لكنا كما يقول المتقول فينا ، وإن عابنا شيء يفتري يعلم الله أننا براء منه فعلم الله يكفينا ، وإلا فهذه مصيبة أكبر من تقول المتقول ، ومثل المتقول في اصفياء الله كمثل ناموسة نفخت على جبل عظيم لتزول بنفختها ، ومثله مثل مجنون بال في البحر المحيط لينجسه ، ومثله مثل كلب عوى على القمر ليضره ويحطه عن سماءه .
لو نبح البدر كلام الورى - ما وصل النبح إلى البدر
وينبغي مسك اللسان قدر الإمكان فإنه صغير الجرم كثير الجرم ، فماذا على وجه الأرض أحق بطول السجن من اللسان ؟
رابعاً:
تعلم الدروس التي القتها علينا حياة المصطفى ، فهو المجاهد المكافح لتحرير البشرية من البهيمية فإنه صلى الله عليه وسلم وصف في الكتب القديمة بأن سيفه على عاتقه ولكنه لم يقاتل ولم يقتل إلا البهائم من ضل وخسر الإنسانية ولم يعقل إلا شهوتي بطنه وفرجه (( إن هم إلا كالأنعام بل أضل )) الفرقان 44 فيجب قتالهم وقتلهم فمن لم يتدين بالدين المساوي الباقي الناسخ غير المنسوخ وهو الإسلام فهو من جنس الأنعام .
ودلائل صدق محمد صلى الله عليه وسلم تكفي منها شريعته وآياته وبلده ونسبه ومولده ونشأته وكتابه وأصحابه وأمته والعلماء والأولياء والصلحاء ومعجزاته وكراماتهم وهلم جرا ، وما سوى دينه المحفوظ دخله التحريف والتبديل قبل أن ينسخ والشيء المنسوخ كغير المشرع أصلاً ، والحمد لله على حفظ شرعنا قال (( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )) الحجر 9 ، يا أيها الأحباب الأعزاء إن علينا مسؤلية كبرى وعلينا أن نتحملها بجد وثبات وصبر وإخلاص وثقة بالله العلي العظيم الذي قال (( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم )) النور 55 واخرجوا من قلوبك الآفتين اللتين سببتا لنا التقهقر وصرنا غثاء كغثاء السيل وهما حب الدنيا وكراهية الموت (( وما عند الله خير للأبرار )) آل عمران 198 والإنسان لا يموت قبل أجله ، ولا يحيا بعده بحال من الأحوال ، ولا بد لهذه المسؤلية من تعليم الأولاد اللغة العربية بعد القرآن لأنها لغة القرآن وترجمان الدين ، ولا بد من غرس محبة المسلمين في قلوبهم ومحبة العرب ، فمن أحب العرب فبحبه صلى الله عليه وسلم أحبهم ومن أبغضهم فببغضه صلى الله عليه وسلم ابغضهم ، وخصوصاً الشرفاء من آل بيته الطيبين الطاهرين ما تمسكوا بالدين والسنة فمن حاد عن سبيله فليس من آله .
ولا بد من اعتياد فعل الخيرات وبغض الكفر والسيئات وأهلها ، والغيرة للدين فإن من لم يتعلم يصير إمعةً إن أحسن الناس احسن معهم وإن أساؤا أساء معهم ، وبنور العلم واليقين يخرج الإنسان من التبعية إن أحسن الناس أحسن معهم وإن اساؤا أجتنب إساءتهم وقد يكون أهمال الولد سبباً لإنقطاع نسبه ، فإن أولاد الصالحين صالحون إن أصلحوا العمل وإلا فليسوا بأولادهم بدليل (( يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح )) هود 46 , وهذا في حق كنعان بن نوح من صلبه فنعوذ بالله أن نكون من الجاهلين .
خامسا :
إنني أجدد لكم وصيتي بالجد والإجتهاد في المحافظة على الفروض و السنن والآداب و الأذكار والأوراد , فإنه كثر الإعراض عن الله والغفلة عن ذكره تشاغلا وإكتفاءً بقوت الأشباح عن قوت الأرواح , فلا شرف للإنسان ولا كمال إلا بذكره لله تعالى إذ هو الحبل الذي يصل بين العبد وبين ربه ، وقد رفضوا صحبة الصالحين والمشائخ والأولياء والعلماء والأتقياء وأنا أرى - أيها الأحباب- أن من تمسك بالأوراد اشتغل بذكر الله عز وجل ومحبة أولياءه المقربين ومن رفض الأوراد ترك ذكر الله وعادى أولياء الله وقد خرج البخاري ورفعه ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ) واعني بالأوراد الإستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الله ، هذا بعد ما تيسر من القرآن فهو أفضل الأوراد ، فمن كفركم أو بدعكم بهذه الأعمال فلا تلتفتوا لكلامه (( وهو أعلم بالمهتدين )) الإنعام 117 ، فإن هذه سنن فمن عابكم بالإتباع السنة وأدعى أنكم مبتدعون فعند الممات تعرف التركات .
سادسا:
العمل والكسب للمعاش ولا بد من الكد فإن أطيب ما أكل الرجل من كسبه ، وإن الله لا يقبل إلا طيباً ، ويروى عن سيدنا عمر رضي الله عنه : لا يجلس أحدكم ويقول يرزقني الله وقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهباً ولا ورقاً ، وإن الله يحب المؤمن المحترف ويكره العبد البطال (( فإذا فرغت فأنصب )) الشرح 7 فلا بد من الطاعة والعبادة لأجل الآخرة التي ارتحلت مقبلةً والعمل للدنيا فقالوا ( فأعمل لدنياك كأنك خالد فيها وأعمل لآخرتك كأنك تموت غداً ) والكسب بالحراثة لمن يقدر عليها والتجارة لمن يحسن القيام بها وسائر الحرف .
فالحياة عبارة عن العمل فمن لم يعمل فكأنه ميت ، فبصدق النية يصير عمل الدنيا للأخرة فالأعمال بالنيات (( وإنما توفون أجوركم يوم القيامة )) آل عمران 185 .
سابعا:
السياسة ، إن الإسلام ما فرق بين الدين و السياسة . فرجال الدين يمكنهم أن يكونوا رجال السياسة .   و لكن المسلم سياسته في رفع الإسلام قولا و فعلا .  و من أعان في سياسة تباين الدين لمال أو جاه فكأنما باع أخراه بدنياه . الله الله يا عباد الله قل الحق و لو كان مُرّا .
و من السياسة الموافقة مع أرباب الدول من ملوك و أمراء  و رؤساء للحكومات في كل ما لا يمس كرامة الإسلام فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق . و المداراة صدقة و المداهنة حرام . فالمداراة هي بذل ما في الوسع لسلامة الدين و المداهنة  هي ترك مراد الشرع لسلامة الدنيا.
و في الختام أتضرع إلى الله  و أسأله بلسان إفتقار المسلمين أن يدارك أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم و ينصر الملة المحمدية ، و يوفق الجميع لما يحب و يرضى و يداوي بمنه قلوبنا المرضى . و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
من إملاء شيخ الإسلام و قدوة الأنام سيدنا و مولانا القطب الرباني و الغوث الصمداني الشيخ إبراهيم  بن الحاج عبدالله الكولخي  رضي الله عنه و أرضاه . آمين .

Comments

Popular posts from this blog

SALLAR TARAWIHI DA TAHAJJUDI DA YADDA AKE YINSU

من خواص أذكار الطريقة التجانية حزب البحر للإمام الشاذلي

TARIHIN WAFATIN ANNABI SAW 1 DAGA TAHIR LAWAN MUAZ ATTIJANEEY