من كتاب جواهر الماني: فضل القرآن على سائر الأذكار
قال سيدي الشيخ التجاني رضي الله عنه بأفضلية القرآن على سائر الأذكار وتقسيمه لمراتب القراء :-
ورد فى كتاب جواهر المعاني الجزء الأول (ص 196 ) :
[ أما تفضيل القرآن على جميع الكلام من الأذكار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الكلام فأمر أوضح من الشمس كما هو معلوم في استقراءات الشرع وأصوله شهدت به الآثار الصحيحة وتفضيله من حيثيتين:
الحيثية الأولى: "كونه كلام الذات المقدسة المتصفة بالعظمة والجلال فهو في هذه المرتبة لا يوازيه كلام.
الحيثية الثانية: "ما دل عليه من العلوم والمعارف ومحاسن الآداب وطرق الهدي ومكارم الأخلاق والأحكام الإلهية والأوصاف العلية التي لا يتصف بها إلا الربانيون، فهو في هذه المرتبة أيضا لا يوازيه كلام في الدلالة على هذه الأمور ثم أن هذين الحيثيتين لا يبلغ فضل القرآن فيهما إلا عارف بالله قد انكشفت له بحار الحقائق فهو أبدا يسبح في لجها فصاحب هذه المرتبة هو الذي يكون القرآن في حقه أفضل من جميع الأذكار لحفظه الفضيلتين لكونه يسمعه من الذات المقدسة سماعا صريحا لا في كل وقت إنما ذلك في وقت استغراقه وفنائه في الله تعالى.
والمرتبة الثانية دون هذه وهي من عرف معاني القرآن ظاهرا وألقى سمعه عند تلاوته كأنه يسمعه من الحق يقصه عليه ويتلوه عليه مع وفائه بالحدود فهذا أيضا لاحق في الفضيلة بالمرتبة الأولى إلا أنه دونها والمرتبة الثالثة في تلاوة القرآن رجل لا يعلم شيئا من معانيه ليس إلا سرد حروفه ولا يعلم ماذا تدل عليه من العلوم والمعارف فهذا إن كان مهتديا كسائر الأعاجم الذين لا يعلمون معاني العربية إلا أنه يعتقد أنه كلام الله ويلقي سمعه عند تلاوته معتقدا أن الله يتلوه عليه تلاوة لا يعلم معناها، فهذا لاحق في الفضل بين المرتبتين إلا أنه منحط بكثير كثير، بشرط أن يكون مهتديا موفيا بالحروف والواجبات غير مخل بشيء منها، المرتبة الرابعة: رجل يتلو القرآن سواء علم معانيه أو لم يعلم إلا أنه متجرئ على معصية الله غير متوقف عن شيء منها فهذا لا يكون القرآن في حقه أفضل بل على قدر ما ازداد تلاوة ازداد ذنبا وتعاظم عليه الهلاك يشهد له قوله سبحانه وتعالى: " ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه " إلى قوله: " فلن يهتدوا إذا أبدا "، وقوله سبحانه وتعالى: " ويل لكل أفاك أثيم " إلى قوله تعالى: " ولهم عذاب عظيم "، وقوله تعالى: " يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل" الآية، وكل من يحفظ القرآن ولم يقم بحدوده فقد اتخذه هزؤا، قال تعالى: " وإذ طلقتم النساء فبلغن أجلهن" إلى قوله تعالى: " ولا تتخذوا آيات الله هزؤا "، وقوله صلى الله عليه وسلم: " ما بال أقوام يشرفون المترفين ويستخفون بالعابدين ويقولون بالقرآن ما وافق أهوائهم وما خالف أهواءهم تركوه فعند ذلك يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض " الحديث، وأراد صلى الله عليه وسلم أنه يصدق عليهم الوعيد الذي في الآية، قال تعالى : " أفتومنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض" إلى قوله تعالى: " أشد العذاب"، وقوله صلى الله عليه وسلم: " إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه"، وقوله سبحانه وتعالى: " ومن أعرض عن ذكري " إلى قوله: " وكذلك اليوم تنسى "، فمن ترك العمل بالقرآن فقد نسيه والوعيد الثابت عليه فمثل هذا لا يكون القرآن في حقه أفضل من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ".
فأصحاب المراتب الثلاث الأولى القرآن في حقهم أفضل من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وصاحب المرتبة الرابعة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في حقه أفضل من تلاوة القرآن، وبيان ذلك أنه يزداد من الله تعالى بتلاوة القران طردا ولعنا وبعدا، إلا أن يكون صاحب مرتبة إلهية في الغيب مدخرة له في المعرفة بالله العيانية فإنه إن كان بهذه المثابة وحاله في المرتبة الرابعة كما ذكرنا فتمحى جميع ذنوبه في الغيب وتكتب جميع سيئاته حسنات لأجل المرتبة التي حصلت له في الغيب بطريق المحبوبية، فإن خلى عن هذه المرتبة فهو عند الله بين أمرين: إما أن يعامله بالعفو في الآخرة وعدم المؤاخذة بالعذاب على ذنوبه بسبب من الأسباب المعلومة في الغفران وهي كثيرة، وإما أن يناقشه ربه بالحساب في الآخرة ثم يقول له لنواخذنك بها ذرة ذرة فصاحب هذه المرتبة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أفضل له من تلاوة القرآن لكون أن الله يصلي عليه بكل صلاة عشرا عشرا وجميع العالم في كورة العالم عشرا عشرا بكل صلاة فيفوز بذلك بالسعادة الأبدية، فإن هذا الوعد من الله محقق الوقوع وهذا واقع لكل مطيع وعاص، فكل من صلى عليه ربه وصلت عليه الملائكة فهو من أهل السعادة، فصاحب هذا الحال يقع له الهلاك والشقاوة بتلاوة القرآن وتقع له السعادة والغفران بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أهـ.
ثم قال رضي الله عنه :
[ فإن قلت: " الثواب المرتب على تلاوة القرآن إنما هو للقرآن فقط دون التالي وذلك حاصل في تلاوته حتى من الفاسق ". قلنا: " الجواب في هذا الأمر محتمل أنه يكتب له من تلاوة القرآن لكن يظهر إبطاله من جهة أخرى وهو عدم عمله بالقرآن، فإن تلاوة القرآن مع عدم العمل به هو المثال الذي ضربه الله تعالى لأهل التوراة فقال: " مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا "، ومعلوم أن الحمار لا نفع له في حمل الأسفار على ظهره، وقوله: " ثم لم يحملوها"، أي لم يعملوا بما فيها، وقوله سبحانه وتعالى: " الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به "، حق تلاوته هو العمل بما فيه، ومن أعرض عنه بعدم العمل فما تلاه حق تلاوته".
ثم قال رضي الله عنه القرآن هو أفضل الذكر، لكن السلوك به على شرط أن يقدر التالي نفسه في نفسه أن يشهد نفسه في وقت التلاوة وأن الرب سبحانه وتعالى هو الذي يتلوه عليه وهو يسمع، فإن دام له هذا الحال واتصف به اتصل بالفناء التام وهو باب الوصول إلى الله تعالى والسلام] اهـ.
Comments
Post a Comment