تحفة جالنغو في مولد النبي المأمون: طاهرلون معاذ التجاني 3
حجج من قالوا بتحريم المولد النبوي.
تنحصر
هذه الحجج في النقاط التالية:
1-
أن الرسول صلى الله عليه
وسلم لم يفعله، كذا الصحابة رضي الله عنهم، وهم أحرص وأكثر حبا للرسول منا.
2-
أن المولد أحدث بعد مضي
أكثر من ثلاثة قرون بعد عصر الصحابة.
3-
المولد النبوي بدعة
تدخل تحت المردودشرعا بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما
ليس منه فهو رد".
4-
يخالط المولد النبوي الكثير
من المنكرات والمخالفات لذا يجب تجنبه على حد قول المحرمين للإحتفال به.
وكل
حجة تابعة لهذه النقاط لذا نكتفى بها.
((بطلان هذه الحجج))
إذا أمعنا النظر في هذه الحجج التي
يتمسك بها هؤلاء لتحريم المولد النبوي الشريف نجدها تدور حول كون المولد بدعة لم يفعلها
الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ولا التابعون، ثم مخالطته بالمنكرات، لذا رأيت
أن أقسم الرد على هذا في النقاط التالية:
أ-
البدعة مفهومها وأقسامها
عند العلماء.
ب-
هل كل ما لم يفعله الرسول
صلى الله عليه وسلمك بدعة؟
ت-
فتاوي علماء المسلمين
حول المولد النبوي.
البدعة:- مفهومها وأقسامها
قال النبوي في تهذيب الأسماء واللغات "البدعة
– بكسر الباء – في الشرع هي إحداث مالم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي
منقسمة إلى حسنة وقبيحة".
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه
فتح الباري تحت شرح قول عمر ابن الخطاب "نعمت البدعة هذه" والبدعة أصلها
ما أحدث على غير مثال سابق وتطلق الشرع مقابل السنة فتكون مذمومة. والتحقيق إن كانت
تندرج تحت مستحسن في الشرع فهي حسنة، وإن كانت تندرج تحت مستقبح في الشرع فهى مستقبحة،
وإلا فهي من قسم المباح. وقد تنقسم إلى الأحكام الخمسة". انتهى.
من هذين النصين للنووي وابن حجر نفهم
مفهوم البدعة، وهو إحداث شيء لم يفعل في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم. وهذا هو
الظاهر الذي أخذ به بعض الناس في رد الكثير من الأفعال والأعمال مالم تحدث في عهد الرسول
صلى الله عليه وسلم. ولكننا في نفس الوقت نفهم شيئا آخر وهو أن ليس كل مالم يكن في
عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بدعة مذمومة. فإذا صادف الشيء مقصدا من مقاصد
الشريعة الغراء فإنه يقبل ويكون محمودا. وهذا يظهر جليا في هذين التعريفين للنووي وابن
حجر حيث قسم كل واحد منهما إلى محمودة ومذمومة بالنظر إلى مطابقتها للمقاصد الشرعية
ومخالفتها.
وفي هذا الصدد بالذات نجد الشافعي يقول مثل
هذا، كما روى البيهقي في مناقب الشافعي ج 1 ص 469. يقول الإمام الشافعي:
"المحدثات من الأمور ضربان فالأولى ما أحدث مما يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو
إجماعا فهذه البدعة الضلالة، والثانية ما أحدث من الخير لا خلاف لو أحد من أن هذه محدثة
غير مذمومة". (فهذه البدعة النعيمة).
وجاء في السيرة الحلبية أن ابن حجر الهيتمي
قال:- والحاصل أن البدعة الحسنة متفق على ندبها...".
قلت:- نفهم من كل هذا وذالك أن البدعة في
الدين منقسمة إلى حسنة وعكسها، وقد تنقسم – كما صرح به ابن حجر إلى الأحكام الخمسة.
ويعنى بالأحكام الخمسة.
الواجب، المندوب، المباح، المكروه
والحرام. ومما يدل على ذالك – أى تقسيم البدعة إلى حسنة ومباحة الخ. ما رواه البخاري
في صحيحه عن رفاعة بن رافع الزرقاني قال:- (كنا يوما نصلي وراء النبي صلى الله عليه
وسلم فلما رفع رأسه من الركعة قال سمع الله لمن حمد. قال رجل وراءه ربنا ولك الحمد
حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه. فلما انصرف قال من المتكلم؟ فقال المتكلم أنا فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت بضعة واثنين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أولا).
وقد أيد الرسول مثل هذه الحسنة البدع
الحسنة بقوله:- من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن
ينقص من أجورهم شىء ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من
بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شىء".
ويقول الإمام القرطبي عند شرح قوله
تعالى:- "بديع السموات والأرض" كل بدعة صدرت من مخلوق فلا يخلو من أن
يكون لها أصل في الشرع، فإن كان بها أصل في الشرع كانت واقعة تحت عموم ما ندب إليه
وحض رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقال النووي في شرح صحيح مسلم:- قول
النبي صلى الله عليه وسلم (كل بدعة) هذا عام مخصوص والمراد غالب البدع.
هؤلاء هم علماء الدين المعتبرون وهذا ما
قالوه حول تقسيم البدعة لذا لا عبرة بمن يقول بخلاف هذا (وإلنادر لا يقاس).
ب-
هل كل كالم يفعله حرام؟
أشهر بأن هذا السؤال قد أجيب عنه بطريقة
ما في النقطة السالفة، لكن التحقيق الذي عليه العلماء قديما وحديثا أن ما فعله الرسول
صلى الله عليه وسلم هو السنة كذالك ما فعل أمامه فأقره أو ما أمر بفعله. وكل ما حرمه
وهو الحرام وما أحله فهو الحلال إلى يوم القيامة، ولكن لا ليس لأي شخص دليل على أن
ما لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم بدعة أو حرام إلا إذا لم يصادف مقاصد
الشرع.
وقد أحدث كثير من الأعمال بعده صلى الله
عليه وسلم واستحسنها العلماء بدءا من عصر الصحابة إلى من بعدهم.
فقد أحدث عمر الجمع في صلاة التروايح،
وأحدث ابن عبد العزيز في آخر الخطبة قول "إن الله يأمر بالعدل والإحسان".
وأحدث الزخارف في المساجد والمصاحف، كما شبط وشكل القرآن الكريم، وحديثا أحدث صلاة
التهجد في العشر الأواخر من رمضان وأحذ تشييد المدارس. كل هذا قد صادف المقاصد الشريعة
في الإسلام وسيعين في تقدم الدين إسلامي. فقس على هذا كل ما يأتي مالم يخالف هذه المقاصد.
وأما قولهم: أن المولود بخالطه المنكرات
الخ. فهذا لا يقدح فى أصله. وما خالطه من المنكرات قد يخالط كل عمل من العبادات وسائر
أعياد المسلمين، وهذا لا يقدح فى أصلها، فنقذم المنكرات ونظهر احتفالنا من
المنكرات والبدع. يرحم الله السيوطي حيث قال عن هذه النقطة:- "... إن التحريم
فيه جاء من قبل هذه الأشياء المحرمة التى ضمت إليه لا من حيث الإجتماع لإظهار شعار
المولد بل لو وقع مثل هذه الأمور في الإجتماع لصلاة الجمعة لكانت قبيحة شنيعة ولا
يلزم من ذالك ذم أصل الإجتماع لصلاة الجمعة كما هو واضح. (انتهى كلامه).
Comments
Post a Comment