الصحبة الروحية

الصحبة الروحية
الشيخ محمد الحافظ التجاني المصري
ــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
عن خزيمة بن ثابت قال:”رأيت في المنام كأني أسجد على جبهة النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرت بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:( إن الروح ليلقى الروح) فأقنع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه هكذا، فوضع جبهته على جبهة النبي صلى الله عليه وسلم “رواه أحمد بأسانيد أحدها هذا وهو متصل، ورواه الطبراني وقال:فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:(اجلس واسجد واصنع كما رأيت) ورجالهما ثقات
وأخرج البخاري عن أنس رضي الله عنه قال:قال النبي صلى الله عليه وسلم:( من  رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتخيل بى، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة)، وأخرج من حديث أبى هريرة قال:سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:  ( من  رآني في المنام فسيراني في اليقظة، ولا يتمثل الشيطان بي) قال أبو عبد الله:قال   ابن سيرين:إذا رآه في صورته.
وكتب السنة مشحونة بأن رؤياه صلى الله عليه وسلم حق، وأن الشيطان لا يتمثل به صلى الله عليه وسلم، وقد يخيل الشيطان لبعض الناس أن الله يخاطبه، ولا يمكنه ذلك فيه صلى الله عليه وسلم، لأن الحق تبارك وتعالى منزه عن الصور، فلا يدخل في ذلك اللبس على المؤمن، والرسول صلى الله عليه وسلم بشر، ومثل ذلك من ادعى الألوهية قد يجرى خرق العادة على يده ولا يجرى على يد مدعى النبوة كذباً، لظهور بطلان دعوى مدعى الألوهية فلا لبس فيها، ولكن خرق العادة لو أجرى على يد الكاذب لالتبس الأمر، ولما عُرف الصادق من الكاذب، وانسد باب معرفة الحق.
فمن زعم أن الشيطان يظهر لأحد في النوم، أو في اليقظة مدعياً أنه هو صلى الله عليه وسلم فهو كاذب مصادم للسنة الصحيحة.
ولفظه صلى الله عليه وسلم عام:( فإن الشيطان لا يتمثل بى)، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
فمن الصالحين من يمن الله عليه بكثرة رؤياه صلى الله عليه وسلم، وهذه حال ظاهرة في الدلالة على اعتناء الحق تبارك وتعالى بصاحبها، وقد ثبت في الشريعة أن هذا الاجتماع حق لا مدخل للشيطان فيه، وإنما يكون ذلك نتيجة الصدق في محبته صلى الله عليه وسلم، مع المتابعة الحقة لا المتابعة المزيفة المقتصرة على الرسوم الظاهرة مع خراب الباطن، وإنما المراد المتابعة الواجبة المقصودة بالذات من كمال الإيمان، وطهارة الباطن والظاهر، والتحلي بالأخلاق المحمدية، وعمارة القلب والقالب بما أمرت به الشريعة المطهرة مع إشراق النور الرباني، وبهذه المناسبة يتأهل العبد للتشرف بمعيته صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى:(وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً).
وقد صح عند أهل الحق أن المعية ثابتة لمن شاء الله في الدنيا والآخرة، عرف من عرف وجهل من جهل، ولا يضير الحقيقة جهل الجاهلين بها، ولا يمكن أن يكون المحروم من هذا الفضل حجة على من مَنَّ الله عليه به، وإنما يكون من علم حجة على من لم يعلم.
وها هي ذي الشريعة المطهرة ناطقة بذلك، فهلم فليتحاكم إليها المتحاكمون (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ) ، (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً) ، وقد قال صلى الله عليه   وسلم:( الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف)
ولنسق هنا مثلاً لأولئك الذين مَنَّ الله عليهم بهذا الفضل العظيم، روى أحمد عن المثنى،  يعنى ابن سعيد قال:”سمعت أنساً يقول:قل ليلة تأتى على إلا وأنا أرى فيها خليلى صلى الله عليه وسلم، وأنس يقول ذلك وتدمع عيناه “ورجاله رجال الصحيح
وذكر الشيخ ابن الحاج المالكى في كتابه المدخل عن شيخه العارف الكامل الحافظ بن أبى جمرة:أن أحد أئمة المالكية رضي الله عنه، أنه كان إذا نزلت به نازلة أو أحد أصحابه رأى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما يخرجه منها، وكان يرجع إليه صلى الله عليه وسلم في سائر شئونه، فراجع المدخل في فضل أحوال المريض ترى عجباً.
ونقل عن الإمام أبى القاسم القش يرى رحمه الله أن ولده مرض مرضاً شديداً، قال:”حتى أيست منه، واشتد الأمر علىَّ، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فشكوت له ما بولدى، فقال:أين أنت من آيات الشفاء، فانتبهت، ففكرت فيها، فإذا هى في ستة مواضع من كتاب الله تعالى، وهى قوله تعالى:(وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ) ، (وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ) ، (فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ) ، (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) ، (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) ، (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء) ، قال:فكتبتها في صحيفة، ثم حللتها بالماء، وسقيته إياها، فكأنما نشط من عقال “أو كما قال.
وإذاً فقد تجلى لك معنى الطريق والمقصود منه، وهو الوصول إلى هذه الصحبة الروحية السامية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى يتحقق العبد بالآداب الإلهية في حضرة الحق تبارك وتعالى علماً وعملاً وشهوداً، ويقوم بها على أكمل وجه.
وليس هناك أفضل من صحبة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكذلك من الناس من يصل إلى صحبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحبة الروحية أو غيرهم من الصالحين، وكل ذلك خير تدعو إليه الشريعة المطهرة.
ومن تآخى مع أي واحد من هؤلاء الصالحين وتعاهدا على الحب في الله، والنصيحة فيه، والتعاون في سبيل الوصول إليه تبارك وتعالى على الكتاب والسنة فهذا أمر من أشرف الأمور، وهو ما تحث عليه الشريعة المطهرة، وليس في ذلك أى مخالفة للشريعة كما يظن بعض الجهلة، بل هو عين الشريعة، ولب الشريعة، ومقصد من مقاصد الشريعة، وقد قال تعالى:(قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ) ، ولا شك أن أعلى مرتبة في الإتباع أن يجمع المرء  بين الإتباع الظاهر والإتباع الباطن.
فمن وصل إلى هذا المقام عرف آداب الحضرة الإلهية من ينبوعها، وكان مع الأنبياء والصديقين حقاً، لا ستار ولا حجاب، كشفاً ومعاينةً، وشهوداً وتحققاً وتخلقاً،  فتوحيده هو التوحيد، وإيمانه هو الإيمان، ويقينه هو اليقين، انقطعت عروق الشك إذ أشرق نور الحق، فانقشعت الظلمات وذهبت الأوهام.
وهذه طريق أهل الله عز وجل وخاصته، (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ) ، ونرجو الله تعالى أن يوفقنا للإتباع الكامل للمصطفى صلى الله عليه وسلم، ويجنبنا الزيغ والضلال، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
ــــــــــــــ
للمزيد من الدروس والمقالات زوروا موقعنا الاليكتروني
http://tsof.alhoussam.com/

Comments

Popular posts from this blog

SALLAR TARAWIHI DA TAHAJJUDI DA YADDA AKE YINSU

من خواص أذكار الطريقة التجانية حزب البحر للإمام الشاذلي

TARIHIN WAFATIN ANNABI SAW 1 DAGA TAHIR LAWAN MUAZ ATTIJANEEY