التصدير في شعر الإمام الغزالي
التصدير
نوع من أنواع التكرار، لأن الشاعر يقوم بتكرار لفظة بدأ بها البيت في آخره، ولذا
سمي رد العجز على الصدر، ويكاد يكون ترديدا، لكن الفرق بينهما هو أن التكرار في
الترديد يقع في أي جزء من البيت، لكن التصدير يختص بالقوافي ترد على الصدور[1].
وقد ورد التصدير في شعر الغزالي في مواضع كثيرة
جدا، وبصور مختلفة وخاصة في تائيته الصوفية. وقد تتبع الباحث أشكال التصدير فوجد
له الصور الآتية: فالصورة الأولى تكون
اللفظة المكرار في مستهل البيت على الشكل التالي:
(___).....................**.....................(___)
وديعة
روح القدس نفسك ردها ** فمن واجبات العقل
رد الوديعة[2]
توحشت
من أبناء نوعي ولم يكن** لشيء سوى أنسي
بقربك وحشتي
تغربت عن
أهلي إليك وإنني ** ليعذب
لي في طيب أنسك غربتي[3]
نصحتك جهدي
إن قبلت فلا تكن ** على حكم غش حاملا لنصيحتي[4]
وهذه الصورة أكثر توافرا من غيرها، وهي أكثر حيوية
من حيث خلق الموسيقا والصورة الثانية هي أن تكون اللفظة المتكررة آخر جزء في العجز
على شكل:
............. (___) ** ..............(___)
والأنـــــــــــــــــفس أمست في
حرج ** وبيدك تـــــــــــــــــــــــــــــفريج الحرج[5]
أيـــــــــــــــخرج منها آدم
إثم زلة ** ويدخل هذا فعله كل زلــــــــــــــــــة[6]
كفاني اعترافي باقترافي توبة
**
وحسبي رضى عني قبولك توبتي
إذا حصلت لي كيف ما كان نسبة **
إليك فلا أخشى ضياعا لنسبتي[7]
ويأتي مثل هذا غالبا في طوالع القصائد، لكن الغزالي
لم يستخدمه في طالع أية قصيدة بل كان جميعه داخل القصيدة، بل جميع باقي الصور ما
وردت إلا داخل القصيدة. وشكل الصورة الثالثة:
..... (___)............. **
..............(___)
فمهما تجلت من كدورات عالم الــ ** الطبيعة شفّت جوهرا وتجلت[8]
وهذه الصورة غير
متوفرة إلا ما كان قريب منها مثل:
.......... (___)....
**..............(___)
ولا أنا ممن
يخجل الطرد وجهه
|
فيأنف
من عود مخافةطردة
|
والصورة الرابعة أن
يكون اللفظ المجانس في أول العجز كالتالي:
................
**(___).........(___)
ولم
يستخدمه الغزالي سوى مرتين وهما قوله:
ونادت بي الأشواق مهلا فهذه **
منازل من تهوى رويدك فانزل[9]
وقوله:
لو أنها للعباد مسخطة ** مرضية
ربها لأرضاها[10]
وصورة خامسة وردت مرة
واحدة بالصورة التالية:
(___)....(___)........
**(___)...........(___)
غزلت
لهم غزلا رقيقا فلم أجد ** لغزلي
نسّاجا فكسّرت مغزلي
ويظهر
الأثر الصوتي للتصدير كما يقول الدكتور شلبي في أنه تمهيد للقافية،[11]ويساعد
في ربط أجزاء البيت على شكل من يربط السلعة بحبل، كلما دار بالحبل من أول السلعة
وانتهى إلى آخره رجع به من حيث بدأ ليربطه بإحكام.
ومن القضايا التي يرى
الباحث أحقية إلحاقها بهذا المبحث قضية التقسيم أو التقطيع، لكونها قضية متصلة
بالوزن، فالتقسيم عملية شبيهة بالتقطيع العروضي، ففيه يتم "تقسيم
البيت إلى مواقف أو مواضع يسكت فيها اللسان ويستريح أثناء الأداء الإلقائي"[12].
وبعبارة أخرى هو إقامة الشطرين من البيت الشعري إلى مفردات يناسب تقطيع كل
منها في الشطر الأول تقطيع نظيره في الشطر الثاني مناسبة تامة أو تنزع إلى أن تكون
تامة.[13]
لكن الدراسة تقتضي إيراده تحت موسيقا الإطار الخارجي.
والتقطيع في شعر
الغزالي يكون تقطيعا ثنائيا يقابل الجزء الأول منه الثاني، وسوف يتناوله الباحث في
بنية التقابل. وقد يكون رباعيا على هذا الشكل:
........./............. **
........./............
ومن
ذلك قوله:
فأحزان قلبي/لاتجود بسلوة ** وأجفان
عيني/ لاتسح بدمعة
ولولا حنيني/لم تحن مطية ** ولولا
نُواحي/لم تنح ورق أيكة [14]
وقوله:
من للملهوف/سواك يغث ** أو للمضطر/سواك
نجي[15]
وقد
يأتي التقطيع مقفى فيسمى حينئذ (الترصيع) كقوله:
كي تنصلحي/ كي تنشرحي ** كي تنبسطي/ كي
تنبهجي[16]
وكقوله:
فلا ندم يجزى/ ولاحسرة يرى ** بها فرج
يرجى/ لكشف لشدة[17]
ومن
الرباعي أيضا:
لسانك مخزون/وطرفك ملجم ** وسرك مكتوم/لدى الرب ذائع
وذكرك مغمور/وبالك مغلق **
وثغرك بسام/وبطنك جــــــــــــــــــــائع
وقلبك مجروح/وسوقك كاسد ** وفضلك
مدفون/وطيفك شائع[18]
أو
يكون التقطيع أكثر عمقا فيأتي سداسيا على هذا الشكل:
....../...../......... ** ....../...../..........
فلا رقدة/ تغدو/ عليّ بفترة ** ولايقظة
/تغدو /عليّ بغفلة[19]
وقوله:
وإثباتها/ عند الزوال/بركعة **
وإتمامها/عند الغروب/بسجدة[20]
وقوله:
والأنفس/صارت/ في حرق **والأعين/
غارت/في لجج[21]
تتجلى أثر التقطيع واضحة من حيث توازي الفقرات، مما يولّد
موسيقا متوازية بجانب الموسيقا المتولدة من الوزن العروضي. كما أن التوازن الثنائي"ييتناسب
مع مقامات التضاد والمقابلة، والرباعي وماجاوزه يتناسب مع مقامات التفصيل
والاستقصاء."[22] وهذا بالطبع
يثري النص من الناحية الصوتية.
وبالجملة إن بنية التكرير لعبت دورا كبيرا في إثراء النصوص الشعرية
للغزالي من الناحية الصوتية، وأولدت ربطا يربط أجزاء البيت ليكون متماسكا متوازنا.
[1] ابن رشيق القيرواني, العمدة, ج2 ص 8
[2] الديوان ص 47
[3] الديوان ص 84
[4] السابق ص 47
[5] السابق ص 121
[6] السابق ص 54
[7] السابق ص87
[8] السابق ص 47
[9] الديوان ص 152
[10] السابق ص167
[11] شلبي, طارق سعد, (الدكتور) المرجع السابق ص108
[12] عبدالله الطيب (أ.د) المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها, ج2
الطبعة الثالثة, دار الآثار الإسلامية الكويت 1989م -1409ه ص303
[13] الطرابلسي, محمد الهادي, خصائص الأسلوب في الشوقيات, منشورات
الجامعة التونسية,1981 ص79
[14] الديوان ص 94
[15] الديوان ص 122
[16] الديوان ص 130
[17] الديوان ص 75
[18] الديوان ص 144
[19] الديوان ص70
[20] الديوان ص 105
[21] الديوان ص 125
[22] الطرابلسي, محمد الهادي, خصائص الأسلوب في الشوقيات. مبرجع سابق
ص79
Comments
Post a Comment