الصوت في شعر الإمام أبي حامد الغزالي: دراسة أسلوبية:


الصوت في شعر الإمام أبي حامد الغزالي:
بقلم: طاهر لون معاذ التجاني،
قسم اللغة العربية جامعة بايرو كنو.


أولا الوزن:
الوزن أبرز سمات الشعر العربي، بل كان أعظم أركانه،[1][1]ويقوم الوزن على ترديد التفاعيل المؤلفة من الأسباب والأوتاد والفواصل، وعن ترديد التفاعيل تنشأ الوحدة الموسيقية للقصيدة كلها،[2][2] وهذه التفاعيل هي التي تكوّن البيت الشعري كما وضعه الخليل بن أحمد.
وبالرجوع إلى شعر أبي حامد الغزالي نجده يستخدم البحور الخليلة كما استخدمها الشعراء القدامى، فقد نظم الغزالي في عشر بحور خليلية، وهي:

البحر
عددالقصائد
عدد الأبيات
النسبة
الطويل
7
390
66.60%
المنسرخ
1
64
11%
المتدارك
1
55
9 %
الرمل
1
26
4 %
الكامل
6
15
2 %
الوافر
2
13
2 %
البسيط
6
9
1.2%
الخفيف
1
6
1 %
الرجز
1
4
0.9%
المديد
1
3
0.50%
المجموع
26
585
100%

الملاحظ في الجدول السابق هيمنة البحر الطويل على سائر البحور الشعرية التي استخدمها الغزالي، وهذا يتطابق كل المطابقة بسير الشعر العربي القديم، فقد انتهى الدكتور إبراهيم أنيس إلى أنه لايوجد في البحور ما يضاهيه في شيوعه في الشعر العربي القديم، فقد جاء ما يقرب ثلث الشعر العربي القديم من الطويل.[3][3] ويليه المنسرخ في المرتبة الثانية، ثم المتدارك في المرتبة الثالثة، هذا من حيث كمية الأبيات، ومن حيث عدد القصائد أو المقطوعات التي قيلت الأبيات في البحر، يحتل الطويل المرتبة الأولى ثم الكامل والبسيط سويا في المرتبة الثانية، ثم الوافر في المرتبة الثالثة.
فكون الطويل أكثر شيوعا وكثرة ناشئ من أن الغزالي من الشعراء القدامى فلا عجب أن يكون شعره هكذا. أضف إلى هذا إن الطويل أطلق عنانا وألطف نغما وأرحب صدرا من أي بحر حسب ما قرره الدكتور عبد الله المجذوب، ففيه تتجلى رصانة أهل الرصانة ويفتضح فيه أهل الركاكة والهجنة،[4][4] فلهذا يمكن القول بأن اختيار الغزالي له يأتي من كونه أرحب صدرا حيث يمكنه سكب تجاربه الشعرية بطلاقة ويبدي آراءه في التصوف والفلسفة بوضوح، أضف إلى هذا رنته كل هذا أهّله ليحل المرتبة الأولى، وسوف يدرس  الباحث في النقطة الآتية الزحافات التي تطرأ على البحور المهيمنة على شعر الغزالي لتسليط الضوء على طبيعة العدول في الأوزان عند الغزالي.
أولا البحر الطويل: هذا البحر من البحور المركبة، حيث يتكون بتكرار التفعيلتين (فعولن-مفاعلن) أربع مرات، على النحو التالي:
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن ** فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن.
ومن الزحافات التي تدخل هذا البحر القبض وهو حذف الخامس الساكن من التفعيلة، مثل فــــــعولـــن (--5-5) تصير فعول (--5-) أو مـــــفاعـــــيــــــلن (--5-5-5) تصـــير مفاعلن (- -5- -5)[5][5]
 ومن ذلك قوله:
بنور /تجـــــلي وج/ ه قدس/ك دهشتي/ ** وفيك/ على أن لا خفا ب /ك ردتــي
فعول/ مفاعيلن/ فــــــــــعــول /مـــــــــفاعلن/**  فــــــــعول/مفاعـــــــــــيلن فـــــــــــــــــعول/مفاعلـــن
الملاحظ في هذا البيت هو إصابة التفاعيلة الأولى والثالثة والرابعة بزحاف القبض، وهذا أكثر أنواع الزحافت وجودا في البحر الطويل من شعر الغزالي.
وهو سداسي الأجزاء كالتالي:
مستفعلن مفعولات مستفعلن
 
مستفعلن مفعولات مستفعلن
  

نظم الغزالي قصيدة واحدة في هذا البحر، وتعد هذه القصيدة من أطول وأروع قصائده، ومطلعها:
ما بال نفسي تطيل شكواها
 
إلى الورى وهي ترتجي الله
  
وقرر الدكتور عبد الله الطيب أن المنسرخ بحر يكثر فيه التنويع والتحوير والتغيير،[6][6] وأن وزنه هو:
مستفعلن فاعلون مفتعلن
 
مستفعلن فاعلون مفتعلن[7][7]
  
وهذا التنويع والتغيير وقع كثيرا في هذه القصيدة كما أشار الدكتور عبد الله الطيب، فتقطيع البيت السابق يكون:
مابال نف/سيتطيل/ شكواها
 
إللورى/وهي ترت/جل لاها
  
مستفعلن/فاعلون/مفعولن
 
مستفعلن/فاعلون/مفعولن
  
دخل الطي في التفعيلة الثانية، ثم الكشف في الضرب والعروض. وتغيير آخر هو مثل قوله:
أحبها وهي لي معادية
 
كأنني لست من أحباها
  
أحببها/وهي لي/ معاديتن
 
كأننني/ لست من/أحبباها
  
مفاعلن/ فاعلون/ مفتعلن
 
مفاعلن/ فاعلون/ مفعولن
  
الملاحظ هنا هو دخول الخبن في التفعيلة الأولى،(وهو حذف الثاني الساكن)ثم الطي في الثانية والثالثة، (وهو حذف الرابع الساكن). والجدير بالذكر هو أن فاعلون تحول إلى فاعلات.
 لم يكن هذا البحر من وضع الخليل، بل استدركه عليه الأخفش، لذا سمي بالمتدارك ويسمى أيضا لذلك المحدث وصورته هي:[8][8]
فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن ** فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن
يدخل المتدارك –أساسا- زحاف يسمى بالخبن، أي حذف الثاني الساكن[9][9]، فتصير التفعيلة (فعلن).ومنه قوله:
وبهي/ فعذي/ وبهي/ فلذي/ * ولبا/ب مكا/رمهي/ فلجـــــي[10][10]
فَعِلُنْ/ فعلن/ فعلن /فعلن/ ** فعلن/ فــــــــعلن/ فعلن/ فعلن
ولكن الغزالي أكثر انحرافا من هذا الزحاف، فقد تنوع في الحذف في هذا البحر، وهو شيء أثبته الدكتور محمد حماسة عبد اللطيف عن هذا البحر، يقول إن الشعراء المحدثين توسعوا في استخدام هذا البحر وأكثروا منه، وجمعوا في زحافه بين الصورة التي قدمناها وصور أخرى.[11][11] وبالرجوع لقصيدة الغزالي نرى أن المحدثين ليسوا أول من تنوع في هذا البحر من حيث استخدام الزحافات المتنوعة، فالغزالي من القدامى وقد فعل نفس ما قاله الدكتور حماسة فمن ذلك مطلع القصيدة نفسها:
اششد/دة أو/دت بل/مهجي/ ** يا رب/ب فعججل بلفرج
فاعل/ فعلن/فــــــــــــاعل/ فعلن/ ** فاعل/ فعلن/فــــــــــــاعل/ فعلن/
وكقوله:
يا من/ عوود/تللط/ف أعد/ ** عادا/تك بل/لطفل/ بهجي
فاعل /فاعل /فاعل/فــــــــــــعلن/ ** فـــاعل/فعـــــــلن/فاعل/ فعلن
والجدير بالذكر هنا أن التفعيلة (فاعل) تنقل إلى (فعْلن) بسكون العين.وهذا التنويع في الصور الزحافية يعطي القصيدة حيوية موسيقية، تجعل القارئ يشعر بالارتياح والنشاط عند قراءتها، ولذلك اختار الشعراء المحدثون هذاالبحر في الشعر الحر، مما جعل بعض الباحثين يرى أن هذاالبحر يكمن فيه سر تطور الشعر العربي في العصر الحديث، وذلك لقربه من الإيقاع النثري.[12][12]  
الرمل من البحور ذات الوحدة المفردة، حيث تتكرر فيه تفعيلة (فاعلاتن) ست مرات ،وسمي الرمل لأن الرمل نوع من الغناء يخرج من هذا الوزن، أو سمي رملا لدخول الأسباب فيه بين الأوتاد وانتظامه كرمل الحصير الذي نسج،[13][13]حيث بدأ بسبب خفيف فا= (-5) يتوسط وتد مجموع علا=(- -5) ثم سبب خفيف تن = (-5).
وقداستخدمه الغزالي في قصيدتين، نمثل بقصيدة واحدة لكون الثانية ليست للغزالي بأدلة قاطعة[14][14]، ويقول عنه عبدالله الطيب المجذوب هو بحر فيه رنة يصحبها نوع من المنخلونيا (MELANCHOLY) أي  اللون العاطفي  الحزين من غير كآبة ومن غير ما وجع ولا فجيعة.[15][15]وهذا مطابق لقصيدة الغزالي هذه، حيث قالها وهو على فراش الموت وهو حزين العاطفة لكنه ليس مكتئبا ولا خائفا من الموت، بل هو مطمئن البال كما يظهر من أقواله في القصيدة. ومن حيث الزحافات يقول الدكتور عبد الله الطيب المجذوب يأتي صدره (فاعلاتن فاعلاتن فاعلن) في أغلب الأحوال، وهذا نفس ما نجده في قصيدة الغزالي ففي مطلعها:
قل لأخوان رأوني ميتا ** فبكوني ورثوا لي حزنا
وتقطيعه:
قل لأخوا/نن رأوني/ مييتن/ ** فبكوني/ ورثولي/ حزنن/
فاعلاتن/فـــــاعلاتن/فاعلن/**  فاعلاتن/فاعلاتن/فاعلن/
ويأتي في الرمل كثيرا- (فَعِلاتن) مكان (فاعلاتن) و(فعِلن) مكان (فاعلن) ومن ذلك في شعر الغزالي قوله:
أنعصفو/رن وهاذا/ قفصي/ ** طرت منهو/وبقي مر/تــهنا/
فعلاتــــن/فاعلاتـــــــن/فعلــــــن/ ** فــــاعــــلاتــــــن/ فــعلاتــــن/فعلن/
حيث وردت التفعيلة الأولى والثالثة من الصدر مخبونتان[16][16] والتفعيلة الثانية والثالثة من العجز كذلك.
سمي الكامل كاملا لتكامل حركاته  وهي ثلاثون حركة وليس في الشعر العربي ما كان كذلك.[17][17]وهو أيضا من البحور ذات الوحدة المفردة لأن فيه يكرر (متفاعلن) ست مرات كالتالي:
متفاعلن متفاعلن متفاعلن ** متفاعلن متفاعلن متفاعلن
والزحاف الذي يدخل هذا البحر هو الإضمار(إسكان الثاني المتحرك) فتسير متْفاعلن فتنقل إلى مستفعلن. ومنه قول الغزالي:
هَبني صَبَوتُ كَمَا تَرونَ بِزَعمِكُم        وَحَظِيتُ  مِنهُ  بِلَثمِ   خَدِّ     أزهَرِ
إنّي  اعتَزَلتُ  فَلاَ   تَلُوموا     إِنَّهُ        أضحَى  يُقَابِلُني  بِوَجهٍ    أشعَرِي[18][18]
وتقطيعه يكون:
هبني صبو/ت كما ترو/ن بزعمكم/  **  وحظيت من/ه بلثم خد/دن أزهري/
مستفـــــــعلن/ متفاعــــلــــــــن/مـــــــــــتفاعلن/  **  متــــــــفاعــــــــــــلن/متفاعــــــــــــــلن/مســـــــتفعلن/
أنــــــــــــــــنعتزل/ ت فلا تلو/مــــــــــــوإننهو/ **   أضحى يقا / بلـــني بوج/ هن أزهري /
مستفـــــــعلن/ متفاعــــلــــــــن/مستفعلن/  **  مستفـــــــــــــعلن /متفاعــــلن/ مســـــــتفعلن/
فالملاحظ دخول الإضمار في الجزء الأول من الصدر، والثاني صحيح والعروض صحيح أيضا، وفي العجز دخل الإضمار في  الضرب. أما البيت الثاني فحصل الإضمار في الجزء الأول من الصدر والعجز،والثاني صحيح والضرب مضمر أيضا.


[19][2] أحمد الشايب، الأسلوب دراسة بلاغية تحليلية لأصول الأساليب الأدبية، الطبعة التاسعة، مكتبة النهضة المصرية 1995 ص65
[20][3] إبراهيم إنيس، موسيقا الشعر العربي، مكتبة أنجلو المصرية، ط2، 1952، ص84.
[21][4] [1][4] عبدالله الطيب (أ.د) المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها، ج5 الطبعة الثالثة، دار الآثار الإسلامية الكويت 1989م -1409ه ص443
[22][5] سركي إبراهيم (بروفيسور) أثمار يانعة   الطبعة الأولى ص:43
                                               
[23][6] عبدالله الطيب المرجع السابق ج5، ص216
[24][7] السابق ص215
[25][8] محمد حماسة عبد اللطيف،(الدكتور) البناء العروضي للقصيدة العربية، ط1 دار الشروق القاهرة،1999-1420هــ ص 95
[26][9] السابق.
[27][10] الديوان ص 129
[28][11] البناء العروضي للقصيدة العربية، ص96
[29][12] السابقص98
[30][13] السابق ص 75
[31][14] راجع المبحث الثاني من الفصل الأول من هذا البحث
[32][15] عبدالله الطيب (أ.د) المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها، ج1 الطبعة الثالثة، دار الآثار الإسلامية الكويت 1989م -1409ه ص158
[33][16]  حذف الحرف الثاني الساكن
[34][17] البناء العروضي للقصيدة العربية، ص42



القيروانى، ابن رشيق، أبو على الحسنى: العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، المكتبة العصرية. 2012/1433  ج1 ص121
















[18][18] الديوان ص138
















Comments

Popular posts from this blog

SALLAR TARAWIHI DA TAHAJJUDI DA YADDA AKE YINSU

من خواص أذكار الطريقة التجانية حزب البحر للإمام الشاذلي

TARIHIN WAFATIN ANNABI SAW 1 DAGA TAHIR LAWAN MUAZ ATTIJANEEY